أشكرك، يا سيدي الشكر الجزيل الصادق، على مطالعتك لمقالتي التي نشرتها لي (الرسالة)، بخصوص كتاب (الإمتاع والمؤانسة)، وأشكرك شكراً أعظم، على أنك تنازلت فأبديت بعض ملاحظات تتعلق بكلمتي تلك. والآن أستأذنك في إبداء ما عندي من النظرات. وأول كل شيء، أود أن أقول كلمة في تاريخ رسم الحروف في مصر، وهي:
٢ - تاريخ رسم الحروف في ديار النيل
كان كتبة وادي النيل، قبل سنة ١٢٧٥ للهجرة، يختلف بعضهم عن بعض، في رسم بعض الأحرف، ككتابة الأعلام المؤنثة المنتهية بالياء والهاء كأفريقية، أو بالياء والألف كبادوراية، أو بالألف القائمة كبخارا، أو بالألف الجالسة، وهي الألف المصورة بصورة الياء كبخاري أيضاً (على رأى من يكتبها بهذا الرسم)، وكالمهموز الآخر الوارد على وزن التفاعل كالتخاجؤ والتخاجئ، وكان أغلب اختلافهم في رسم الهمزة الواقعة في قلب الكلمة كرؤوس، وبدءوا، ومشؤوم
وسبب ذلك جميعه، أن كل واحد من أولئك الكتبة المصريين، اتخذ له إماماً نحوياً أو لغوياً، وحاول اقتفاء آثاره. ولما كان الأئمة الأقدمون كثيرين، ويختلف بعضهم عن بعض في هذه الأمور، اختلف أيضاً متتبعوهم ومقلدوهم في هذه الأزمان الأخيرة
أما بعد سنة ١٢٧٥، فقد أخذ الاختلاف يزول شيئاً بعد شيء من بين ظهراني أبناء النيل، أو كاد يزول. وذلك لأن الشيخ العلامة نصر الهوريني وضع رسالة في ذلك العام (المطلع النصرية، للمطابع المصرية)، ووشاها بقواعد لم يتبع فيها إماماً واحداً من أئمة العربية ولغويها، بل جمع بينهم؛ لأن اختياره لهم لم يكن موفقاً ولا دائماً حسناً، فقد خالف أحياناً سيبوبه والحريري والخفاجي وغيرهم من أولئك الأساطين العظام الأقدمين، بل خالف أيضاً ثقات المتأخرين كجماعة الألوسيين: شهاب الدين ونعمان ومحمود شكري، فجاء تأليفه كفلك