نقرأ في كتب السَير عن أناس من السلف الصالح بلغت نفوسهم من الصفاء والتغلب على احتيال الأهواء مبلغاً كان للإسلام حجة أعظم من ألف حجة ودليل من الحجج والأدلة النظرية، وقد بهرت سيرتهم وقدوتهم من عرفها من غير المسلمين فأجلوا ذلك السلف الصالح من أجلها وأجلوا المسلمين من أجلهم ولو أنهم كانوا لا يؤمنون به وامتدحوه كما يمتدح الأب إذا حسنت سجايا ابنه التي بثها فيه. ولكن لا شك أن روح العقيدة الواحدة تختلف في نفوس معتنقيها باختلاف تلك النفوس؛ فإن من الناس القاسي والرحيم والكريم واللئيم والشهم والوغد والمقبل على لذات الدنيا والزاهد فيها والوفي والغادر والعالم والجاهل والذكي والغبي، وقد يعتنق العقيدة الواحدة أناس من كل هذه الطوائف ولكل منهم صفات تغلب على نفسه وتصبغ آرائه وأقواله وأعماله بلونها، وكأنه لا يرى ولا يسمع ولا يحس ولا يعمل إلا وعليه رقيب من تلك الصفات وهي كالقيود لا يستطيع أن يخلص منها. والعقيدة في نفس معتنقها كالماء في الإناء يتخذ شكله؛ فإذا كان الإناء مستديراً كان الماء فيه مستديراً، وإذا كان الإناء مستطيلاً كان الماء مستطيلاً. وكذلك العقيدة تتخذ شكل النفس التي تعمرها. نعم إن العقيدة تخالط النفس والماء لا يخالط مادة الإناء ولا يحدث به أثراً؛ ولكن المشاهد المحقق أن العقيدة تؤثر في النفس بعض الأثر ولكنها لا تستطيع أن تحول طبائعها، وإلا لو استطاعت لما وجد بين معتنقي العقيدة الواحدة الطاهر البريء والمجرم الأثيم والسمح الكريم والوغد اللئيم والذكي الفهيم وذو الفهم البهيم والرحيم والقاسي الزنيم. فالعقيدة فيما هو مشاهد في الحياة لا تحمل النفوس على أن تتخذ شكلاً واحداً بل تبقي النفوس على محامدها ومساوئها، وكما تؤثر العقيدة في النفس بعض التأثير تؤثر النفس في عقيدتها. ومهما اشتركت النفوس المتباينة في شعائر العقيدة فهو اشتراك عام لا يمنع اختلاف النفوس في تفضيل جانب على جانب ومظهر على مظهر من مظاهر الدين، فشكل العٍقيدة في النفس الغليظة القاسية الغبية غير شكلها في النفس الرحيمة الذكية، وتتخذ العقيدة الواحدة أيضاً أشكالاً مختلف في الأمم والأقاليم والأزمنة المختلفة وهي عقيدة واحدة ذات شعائر ومبادئ لا تتغير. والناس قلما يلتفتون إلى فروق روح العقيدة في النفوس المتباينة،