لا أريد أن أتحدث في هذا المقال عن شاعر مصر الكبير المرحوم علي محمود طه كسيد شعراء الغناء العربي منذ أمرؤ القيس حتى الآن، ولا أريد أن أُبين مواطن الجمال والإبداع في دواوينه النفيسة التي أصدرها والتي تضمنت الشيء الكثير عن شعره في وصف الطبيعة والمرأة، ولكنني أود أن أُقصر كلمتي هذه على شعره السياسي الذي قاله في مناسبات عديدة، والتي أوحت به إليه أحداث الشرق العربي المتطلع إلى الحرية والثائر على ظلم الظالمين، لأبدد تلك الفكرة التي تطغى على الأذهان وهي أن المرحوم شاعر الجندول لا يجيد غير وصف الطبيعة والغزل بدليل قوله:
حياتي قصة بدأت بكأس لها غنيت وأمرأة جميلة، وأنه لم يشارك الشعب آلامه وأحزانه، ولا العربية جمعاء في ثورتها التحرريةالكبرى، وأنه لم يكن في جمال هذه المشاركة كأميره شوقي بك الذي يقول:
كان شعري الغناء في فرح الشر - ق وكان البكاء في أحزانه
وأن ما قاله في هذا المضمار لا يتعدى الأبيات التي مجد بها مصر، أما الشرق فقد تركه وراء ظهره. .
هذا ما يقوله عندنا بعض المغرورين الجاهلين الذين لم يقرءوا للشاعر غير ديوان واحد أو ديوانين، ولو كانوا من المتتبعين لقراءة نفائس الشعر العربي الحديث لعلمواأن لصاحب (أرواح شاردة) ديواناً فخماً يضم طائفة صالحة مختارة من شعر الملاحم والحروب، والدم والثورة، والجهاد والاستقلال، وهو (شرق وغرب) الذي أصدره المرحومسنة ١٩٤٧ إلى الوجود، وبصدوره أضاف إلى ذخيرة الشعر العربي الحديث ذخيرة أُخرى جديرة بالدراسة والحفظ والإعجاب.
يقع هذا الديوان في ١٨٢ ص ويقسم إلى قسمين: القسم الأول باسم (أصداء من الغرب) والقسم الآخر باسم (أصوات من الشرق) ونحن نترك الغرب لعشاق الغناء والمرأة والألحان، لنأخذ بالتحدث عن الشرقيات وخصوصاً في هذه الظروف التي يمر بها الشرق؛