ساءت حالة أثينا والاثينيين بعد موت بركليس (٤٢٩ ق. م)، وأخذت المصائب تتري عليها في الداخل والخارج. . . في الداخل على أيدي تلك الطغمة الشقية من زعماء الشعب وقادته الذين نبتوا فجأة فورثوا الزعامة كما ورثها ألسبيادس النزق الطياش عن بركليس العظيم، أو تملقوا الجماهير الغافلة التي لا إرادة لها. فأسلست لهم قيادها فأوردوها المهالك بعد ما ضللوا بها تضليلاً كبيراً متخذين من فساد الديمقراطية بعد موت بركليس سلاحاً يشهرونه في وجوه العقلاء والمفكرين.
أما في الخارج فقد تتابعت الهزائم على جيوش أثينا، وأحرق الإسبرطيون حقول أتيكا وقراها ودسا كرها كما صنع الفرس من قبل، ثم حطموا قوة أثينا البحرية التي كانت تلقى الرعب في قلوب الدويلات الهيلانية.
كان يوريبيدز يرى ما حل ببلده الأثير المحبوب وهو جالس كالقديس في كهفه الجميل الفريد في صخرة سلاميس فيأخذه الوجد، ويخزن أبلغ الحزن على ما آلت إليه الحال في أثينا من انحطاط مستوى الشعب الخلقي، وتضليل الزعماء بالناس، واقتتالهم على جاه الرياسة الزائف في حين قد أصبحت حرمات الوطن حلاً لكل والغ، ففي كل يوم غزو، وفي كل يوم قهر لعزة الوطن، والإسبرطيون في كل فج يذلون العزة القومية، وينشرون الفقر، والأقوات منقوصة في أثينا، والأمراض تفتك بالاهلين، والاهلون لاهون عن كل ذلك بالجدل السياسي العقيم، وبإلقاء التهم جزافاً على رأس كل وطني مخلص. فيوريبيدز كان يدعو للسلم لأنه كان يتمنى الهزيمة لبني وطنه. . . فليُنْبَذ يوريبيدز إذن. . . وليذكر ماضيه الزاخر بعداوته للمرأة وإلحاده بالآلهة، واستهتاره بتقاليد السلف الصالح، والفت بدعوته للسلم في أعضاء الجند. . . ثم هو يسخر بالديمقراطية فهو من شيعة الاستبداد. . . ثم هو تلميذ السوفسطائيين الملاحدة وصديقهم، وأحد المبشرين بآرائهم. . . فليؤخذ أخذاً شديداً لا هوادة فيه ولا مرحمة. . ولتشرك زوجته في خلق المتاعب المنزلية له فتصبح حياته جحيماً في المنزل، وجحيماً في المجتمع، وجحيماً في أثينا كلها. . . ولماذا يبالي