في أحد أبهاء قصر فرساي مجموعة من الصور الرائعة تمثل مناظر من الوقائع الحربية الشهيرة التي انتصر فيها ملوك فرنسا؛ وبين هذه المجموعة صورة لموقعة بلاط الشهداء التي نشبت بين العرب والفرنج على ضفاف اللوار في سنة ٧٣٢م، يبدو فيها عبد الرحمن الغافقي أمير الأندلس، وقائد الجيش الإسلامي، شيخاً رائعاً ذا لحية طويلة بيضاء، وهو شاهر سيفه، ومن حوله بعض جنوده قتلى، وأمامه جنود الفرنج يكرون على خصومهم بشدة، وتبدو عليهم إمارات التفوق والنصر.
وهذه الصورة إحدى الذكريات القليلة التي تحتفظ بها فرنسا عن عصر يكاد يمحوه النسيان من صحف تاريخها، ونحن نعرف ماذا كان من أمر العرب في بلاط الشهداء، فقد قتل قائدهم عبد الرحمن خلال الموقعة، ثم ارتدوا في ظلام الليل إلى الجنوب؛ وغنم الفرنج الموقعة، واقترنت ذكرى النصر إلى الأبد باسم قائدهم وزعيمهم كارل مارتل، واعتبرته التواريخ النصرانية منقذ أوربا والنصرانية من الإسلام وسلطانه وتعاليمه.
بيد أن ذكرى هذا النصر الفرنجي لا يمكن أن تحجب ذكريات عصر قصير باهر قضاه العرب في جنوب فرنسا، فقد افتتح المسلمون ولايات فرنسا الجنوبية في أوائل القرن الثامن واستقروا في سبتمانيا زهاء نصف قرن؛ ثم عادوا في أوائل القرن العاشر جماعات مغامرة مجاهدة واحتلوا كثيراً من أنحاء بروفانس والرفييرا، واستعمروها زهاء قرن، وتركوا كثيراً من آثارهم وذكرياتهم المعنوية في تلك الأنحاء.
ولكن الأوربي، والفرنسي بنوع خاص، قلما يذكر هذا الفصل من تاريخ العرب والإسلام في أوربا؛ وإذا كان بعض الباحثين والمؤرخين الأخصائيين يعرضون إليه في كتبهم، فإن التواريخ الغربية العامة تمر عليه غالباً بالصمت، أو تذكره عرضاً كحادث طارئ طوى صفحته تعاقب الأحقاب؛ وإذا قصصت على الفرنسي المثقف شيئاً من تفاصيل هذه الغزوات الإسلامية لجنوب فرنسا، وذكرت له أن العرب قد انتهوا في فتوحاتهم إلى أعالي نهر الرون، وأنهم استولوا على بيزانصون مسقط رأس شاعرهم فكتور هوجو، وعلى ليون