لما عزم الخديوي عباس على أداء فريضة الحج في شتاء سنة ١٩٠٩ قرر أن يصطحب معه فيمن خاصته شاعره الكبير أحمد شوقي. ولكن الشاعر كان في سريرته لا يرغب في أداء هذه الفريضة المقدسة ولم يستطع أن يصرح للخديوي بذلك.
فتظاهر بالموافقة وركب القطار مع أفراد الحاشية حتى إذا وصل الركب العالي إلى بنها غادر شوقي القطار خفية وانسل من بين الحاضرين دون أن يشعر به أحد؛ وذهب إلى منزل أحد أصدقائه بينها وقضي فيه مدة من الزمن ثم رجع إلى القاهرة وأخذ الخديوي وأفراد حاشيته يتفقدون شوقيا ولكن على غير جدوى. فلما رجع الخديوي من الحجاز وسأله عن السر في ذلك أجاب: كل شئ إلا ركوب الجمال يا أفندينا. وهذا عذر ضعيف يدل على استهتار بأداء الفرائض الدينية التي من بينها الحج. ولم يكن شوقي أكثر ترفا من بقية الحاشية. فإذا كان الخديوي عباس تحمل مشاق السفر فكيف عجز عنها شوقي؟ بل إذا كانت أم المحسنين ومعها وصيفاتها تحملت مشاق السفر فكيف عجز عنها شوقي؟ الحق أن تعليل هربه من أداء فريضة يصبوا إليها كل مسلم ومسلمة لا يدل على شيء سوى استهانة بأمر الحج. وشوقي كان إذ ذاك في ريعان شبابه تلوح عليه نضرة النعيم. وكان يقيم في دار بالطرية الحفلات الساهرة الراقصة حيث الكأس والطاس وغير ذلك مما لا داعي لذكره. ولم يقعده عن هذه الحفلات ضعف فكيف قعد عن أداء تلك الصحة؟ قال للخديوي: كل شئ إلا ظهور الجمال يا افندينا. وهذا ليس بعذر مقبول لأننا نعلم أن الشاعر كان يركب ظهور الحمير في القاهرة ويقطع بها مسافات طوالا. ثم إن سكة حديد الحجاز كانت قد افتتحت في ذلك الوقت وكان الناس يستقلون قطاراتها إلى المدينة. فلم تكن المسافات التي كان من المقرر أن يقطعها الشاعر بالجمال سوى تلك التي بين جدة ومكة والمدينة. ثم إن الركب الخديوي كانت به وسائل الراحة التامة. فنرى من ذلك أن هذا العذر لا يصح أن يقوم دليلا على عجز الشاعر عن تأدية الفريضة.
وهو يتمنى أن تكون هناك سيارة أو طائرة لتقرب إليه البعيد وتسهل أمامه السبيل. قال: