ويا رب هل سيارة أو مطارة ... فيدنو بعيد البيد والفلوات
ولكنه هو القائل قبل ذلك في الطائرة (أركب الليث ولا أركبها) أما السيارات فقد أدرك عصرها. ولكنه لم يستقلها لأداء الفريضة.
والآن بعد أن ناقشنا هذه الأعذار وبينا أنها متكلفة وأن الشاعر أتى بها ليبرر استهانته بالحج، ننتقل إلى أبيات من قصيدته التي مدح بها الخديوي عباسا عقب عودته من الحجاز والتي مطلعها
إلى عرفات الله يا ابن محمد ... عليك سلام الله في عرفات
أما الأبيات التي نريد أن نقف عندها فهي
ويا رب هل تغني عن العبد حجة ... وفي العمر ما فيه من الهفوات
وتشهد ما آذيت نفسا ولم أضر ... ولم ابغ في جهري ولا خطراتي
ولا غلبتني شقوة أو سعادة ... على حكمة أتيتني وأناة
ولا جال إلا الخير بين سرائري ... لدى سدة خيرية الرغبات
ولا بت إلا كابن مريم مشفقا ... على حسدي ستغفرا لعداتي
ولا حملت نفسي هوى لبلادها ... كنفسي في فعلي وفي نفثاتي
وإني ولا من عليك بطاعة ... أجل وأغلى في الفروض زكاتي
أبالغ فيها وهي عدل ورحمة ... وبتركها النساك في الخلوات
هذه الأبيات وليدة هربه من الذهاب إلى الحجاز. وفيها يبرر عزوفه عن أداء فريضة الحج بمبررات واهية ضعيفة لا تستقيم مع أحكام الدين الحنيف ولا تنهض حجة أمام رجل حريص على أركان الإسلام، محترم لشعائره التي منها الحج. فلا طيبة النفس ولا حب الوطن، ولا الإشفاق على حساده ولا الزكاة ولا أي شئ مما ذكره يغني عن الحج ويقوم مقامه. فشوقي في هذه الأبيات يستوحي العقل ويحتكم إليه ضاربا بأحكام الشريعة الغراء عرض الحائط.
والشيء الذي لا مراء فيه أن شوقيا كان مهملا لفرائض الدين عدا الزكاة. فلم يعرف عنه أنه دخل مسجدا أو صام يوما يكفر عن سيئاته ويخفف به أوزاره. وكان في حياته ماجنا خليعا مفرطا في شرب الخمر مرسلا نفسه على سجيتها. ولو أن شوقيا نشأ في وسط حر