الدهشة في تمييز الأشياء بالعين - تشابه رؤية الأشياء والاستماع للإذاعة - مملكتانا الحيوانية والنباتية بين ملايين الممالك الأخرى في الكون - جولات بين النجم القطبي ومجموعة ذنب الدجاجة - الحياة جائزة على غير الأرض.
تطل من النافذة فترى النيل عن يمينك ينساب مجراه في هذا الوادي منذ آلاف السنين وترى داراً عن يسارك يسكنها أهلها منذ أعوام طويلة، وتميز بالعين ذلك المجرى من تلك الدار، وقد اعتدنا ألا ندهش من هذه المقدرة على التمييز الذي تقوم به مداركنا في كل لحظات حياتنا، في يقظتنا وفي سباتنا، فعندما يقع ناظري على ابني أميزه عن ابنتي فإنني لا أفكر لحظة في أن هذه العملية، من تمييز النهر من الدار والابنة من الابن، من الأمور العجيبة التي تتصل بالحياة وما تحمل في طياتها من أسرار في التكوين.
إننا نميز الأشخاص بالعين باختلاف هؤلاء الأشخاص في الملامح، أو بالأذن باختلافهم في الصوت. هذا لصوته خشونة معينة، وهذه لصوتها نعومة تتفق مع خصائص جنسها وأنوثتها، وما هي عليه من ريعان الصبا، وهكذا نميز ما نراه وما نسمعه بحواسنا المختلفة التي تكونت أصولها فينا منذ أن كنا مادة حية تختلف عن المادة عادمة الحياة.
إنما أود أن ألفت النظر إلى أن إدراكنا لما تراه أو نسمعه أصبح من الأمور المألوفة التي لا نعجب لها، فنحن لا نفكر، ونحن نميز الأشياء أو المخلوقات. إن عملية التمييز تحمل في طياتها أموراً هي من أعجب ما نعرفه في الكون ولا نفكر أن في حاسة اللمس عمليات دقيقة وعديدة، وأن عدد الأعصاب الموجودة في الجلد والمتصلة بالمخ، والتي مهمتها نقل ما يحدث عند ملامسة الجلد إلى المخ - تبلغ في أجسامنا بضعة الملايين، ومع ذلك فثمة ظواهر أخرى نعجب لها رغم أنها أبسط في مصدرها أو في تفاصيلها من أجهزة اللمس الدقيقة والعديدة المتقدمة.