حاولت في هذا الكتيب أن أقول ما أعتقده عن مكانة الإنسان في الكون ومدى إمكانياته على بلوغ الحياة السعيدة. ولقد عبرت عن مخاوفي في (إيكاروس) أما في الصفحات التالية فإني قد عبرت عن آمالي (والتناقض واضح بين الموقفين) ولكن الإنسان لم يحذق فن التنبؤ بالمستقبل إلا في علم الفلك. غير أننا نرى في الأمور الإنسانية: قوى تعمل على السعادة وقوى أخرى تعمل على الشقاء، ولا ندري لأيهما سيكون الظفر والغلبة.
فلكي نعمل بحكمة، علينا أن نكون حذرين من كليهما.
برتر اند رسل
الفصل الأول
الطبيعة والإنسان
إن الإنسان جزء من الطبيعة. وليس شيئاً يقارن بها، فأفكاره وحركاته الجسمية تخضع لنفس القانون الذي يفسر حركات النجوم والذرات، وإن العالم الطبيعي لضخم إذا قورن بالإنسان - بل وأضخم مما كان يظن أيام (دانتي) - ولكنه ليس في الضخامة التي كان يتصور عليها منذ مائة سنة، فإن كلا منها يعلو وينخفض ويكبر ويضؤل. ويبدو أن العلم آخذ في مشارفة النهاية. فالمظنون أن الكون ذو امتداد ممدود في الفضاء، وأن الضوء يستطيع أن يسير حوله في بضع مئات من ملايين السنين.
والمعروف أيضاً. أن المادة تتكون من (إلكترونات وبروتونات) ذات حجم محدود، منهما يوجد عدد محدود في العالم. ومن المحتمل أن لا تكون تغييراتهما مستمرة كما كان يظن، بل إنها تتقدم على دفعات، لا يمكن مطلقاً أن تكون أصغر عن حد أدنى من الدفعات. ويمكن إجمال هذه التغييرات بسهولة، في عدد صغير من مبادئ عامة، تحدد ماضي العالم