تفرضه لهم على قدر حاجتهم، وهي التي تختارهم لخدمتها بمحض إرادتها، وهي التي تعزلهم إذا أساءوا في خدمتها، فهي صاحبة السلطة عليهم في الحقيقة، وهي الراعية عليهم في نفس الأمر، وهم خدامها في الواقع، وما الخليفة وولاته إلا وكلاء عنها في تدبير أمورها العامة، لأن كل فرد منها تشغله أموره الخاصة في دنياه، فلا بد لها من أفراد منها ينوبون عنها في تدبير أمورها العامة، ولا يمتازون في هذا بشيء عليها، وإنما هم رعية مثلها، يقومون بأعمالهم كما يقوم كل فرد من الرعية بعمله، ولا يستحقون ما يأخذونه من المال لذاتهم أو لشرفهم، وإنما يستحقونه بما يقومون به من عمل، ولهذا أعطاهم الإسلام اسم العمال، فقال تعالى في الآية - ٦٠ - من سورة التوبة (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) فالعاملون عليها هم الولاة، وهم العمال، ولا مانع من أن يدخل فيهم الخليفة، لأنه رئيس هؤلاء العمال، ولم تكن حكومة الخلفاء الراشدين إلا حكومة عمال، وهذا قبل أن تعرف أوربا الحديثة هذا النظام في الحكم، وقد كانت حكومة عمال صالحة، ولم تكن حكومة عمال لا تتورع عن السياسة الآثمة، كما لا تتورع حكومات العمال في أوربا الحديثة عن هذه السياسة وقد كان على الأستاذ الشيخ خالد محمد خالد أن يعرف هذا كله، وأن يدرك أن الناس حينما يطلعون على اسم كتابه - مواطنون لا رعايا - ينتقل نظرهم إلى حديث (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) ويفهمون أن الحديث يقر الرعية بالمعنى الذي ينكره اسم كتابه، وفي هذا ما فيه. وعلى الأزهر أن يتدبر في أمر أهله بالإصلاح الذي دعونا إليه، وتوالى علينا الظلم بسببه، حتى يستقيم تفكيرهم، ولا تتغلب عليهم مطالعاتهم الخاصة، وقد أعذر من أنذر