كان لسيدنا الشيخ سيد عبد الرحمن كتاب في حي وطني في قسم الخليفة، أسلمني له أبي وأنا في السادسة من عمري.
كان هذا الكتاب بيتاً من بيوت الوقف، يتكون من طابقين، طابق أرضي فيه حجرتان أحدهما سبيل لسقي الماء كان قد هجر عندما ذهبت إليه، والأخرى لسيدنا ينام فيها أحياناً، وفي الطابق العلوي حجرتان كذلك، إحداهما لأولاد الكتاب يقرءون فيها، والأخرى لسيدنا أيضاً، وبين الحجرتين (فسحة) في أحد أركانها زير ماء لا تعرف لونه مما توالى عليه من أحداث الزمان، وعليه غطاء من خشب، قد كسر ولم يهتم أحد بإصلاحه، وعلى الغطاء كوز صفيح قد شد بحبل في مسمار في الحائط، حتى لا يذهب به الأولاد من مكان إلى مكان، وخشية أن يقع الكوز في أسفل الزير، فإذا كان مربوطاً ووقع استطعنا أن نشده بالحبل، والماء إن تلوث بوقوع الحبل فيه، فهو أقل ضرراً من مد اليد عارية وغوصها لاستخراجه.
وأدوات الكتابة: حصير فرش على البلاط، يبلى أحياناً فتتناثر عيدانه، ومع ذلك يبقى إلى أنيحنن الله على سيدنا فيشتري حصيراً جديداً، وصندوق من صناديق السكر أو الجاز وضع في زاوية من زوايا الحجرة، نضع فيه ألواحنا - وهذه الألواح أكثرها صفيح، تسود أحيانا ويذهب طلاؤها حتى لا نتبين الكتابة منه - وكيف يبين أسود من أسود؟ وأقلها خشب قد طلي بدهان أبيض، وله إطار لون بلون بني، وذلك خاص بأولاد الذوات وأشباههم.
هذا كل ما بالكتاب من أدوات، ومعاذ الله أن أنسى شيئاً أهم من ذلك كله، وهو مجموعة عصى من جريد النخل، تختلف طولاً وقصراً، أما القصيرة فيستعملها سيدنا لمن يسمع عليه اللوح أو (الماضي) فيخطئ فتدركه هذه العصا، وأما الطويلة فعندما يرى سيدنا طفلاً في آخر الحجرة لا يهتز وقت قراءته أو يتهاون في حفظه، فما يشعر إلا والعصا الطويلة نزلت عليه وصحبها من سيدنا (اهتز يا ولد) - وقد كان لهذه العصا ما طال منها وما قصر، أثر في نفوسنا لا ينكر، فكثيراً ما رعبنا لأن خيالنا صور لنا أن سيدنا يريد أن