يهوي علينا بعصاه، وفي الواقع لم يكن شيء من ذلك، وإنما هو الرعب ملك نفوسنا، ويحصل هذا أحياناً حتى في البيت، فننسى أننا خرجنا من الكتاب، وأننا بين أهلينا، فنرتجف بغتة لحركة تشبه حركة سيدنا في الكتاب.
وإلى جانب هذه العصى (فلقة) وهي عصى غليظة من خشب متين قد ثقب في وسطها ثقبان يبعد ما بينهما نحو شبر، وركب في هذين الثقبين سير من جلد أو نحوه، فإذا شكا الولد أبوه أو غضب عليه سيدنا أدخل رجليه في هذا السير ولواه عليهما، وأمسك بطرفي الفلقة ولدان كبيران شديدان من أولاد الكتاب، فلم تستطع الرجلان حركة، وانهال عليه سيدنا ضرباً بالعصا والولد يصيح (في عرضك يا سيدنا)(حرمت)(أتوب)! ولست أنسى مرة أفرط فيها سيدنا فشق عقبي وسال منه الدم؛ وكان عزائي الوحيد أني مكثت بعيداً عن سيدنا نحو أسبوعين.
وهذا كل ما كان في الكتاب من (موبيليات).
كان سيدنا يحفظ القرآن حفظاً جيداً، ويكتب كتابة عاجزة، وهذا كل ما له من ثقافة، كان يطوف في الصباح على البيوت يقرأ فيها ما تيسر من القرآن، ويخرج من بيت إلى بيت حتى يتم دورته، وكان موظفاً في مسجد يؤذن فيه، فإذا حان وقت الظهر أو العصر خرج من الكتاب للآذان والصلاة - وفي غيابه صباحاً أو ظهراً أو عصراً يتركنا لعريف يقوم مقامه، ولكن كان العريف ولله الحمد أهون علينا من سيدنا. فكنا نتنفس الصعداء إذا خرج، ونصاب بالرعشة إذا حضر. وكان برنامج الكتاب ينحصر في كلمة هي (تحفيظ القرآن) فيبتدئ بتعليم حروف الهجاء على طريقة غريبة، فأول درس كان هو (أألف) وهي كلمة حفظتها ولم أفهمها إلا وأنا طالب في مدرسة القضاء. إذ فهمت أننا لو تهجينا كلمة ألف لكانت ألفاً ولاماً وفاءً، وما أدري ما السر في هذا البدء على هذا الوضع - حتى إذا عرف الولد شيئاً من القراءة والكتابة بدأ بكتابة جزأ من القرآن في اللوح يحفظه كل يوم وهو في أثناء ذلك (يثبت الماضي) ويمضي النهار كله في هذا الباب، فلا إملاء ولا حساب، ولا يعرف سيدنا شيئاً من ذلك، ولا نستريح من هذا العمل إلا وقت الغداء
فإذا حان الظهر جمع (سيدنا) من كل ولد مليمين أو ثلاثة أو خمسة ثم بعث بولد كبير فأتى له بماجورين مملوءين، أحدهما فيه قليل من فول نابت وكثير من مرق، والآخر مملوء