للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

على مسرح الأوبرا

افتتحت الفرقة القومية موسمها على مسرح الأوبرا بمسرحية (مصرع كليوبترا) وهي داخلة في أدبنا القومي. وميزة المسرحية أن موضوعها مصري وأن صاحبها وضعها بالعربية شعراً. وإذا نحن نظرنا في مبناها ومعناها أصبنا الأول لا يخرج عن طرائق النظم المألوفة بمحاسنها ومساوئها، مع توخي الَجرسْ البحتري اللطيف، وتطلب الحكم والأمثال على أسلوب المتنبي وغيره. . . ذاك هو شوقي الذي لم يسعده إقدامه على فك أداء الشعر العاني. وأما المعنى فتسَّيره النية الحسنة ويزينه الظرف، ثم يعوزه الإيغال في التفكير الشامل، والكشف عن بواطن النفس، وتغليب التلميح الرقيق على التصريح الذي لا يدع شيئاً لمخيلة متخيل

وقد ألقى الممثلون شعر شوقي كما كنا نلقي الشعر العربي في المدارس: نقطَّع أقسام البيت ونتمهل عند العروض ثم نضغط على الضرب، والذي يحرك ألسنتنا الوزن الذي عليه جاءت القطعة أو القصيدة. وفي ذلك الأمر ما فيه من غرابة، فإن الشعر لعهدنا هذا في أوربة (وعنها نأخذ فن التمثيل) يلقي على المسرح كأنه نثر. وسبب ذلك أن القصيدة تقوم بمعانيها وألفاظها لا بتفاعيلها، والتفاعيل كأنها الدعامات والخشب في منزل، وأما المعاني والألفاظ فأثاثه والتزاويق والتصاوير وكل ما يأخذ الطرف. كل ذلك فضلاً عن أن تقطيع أقسام البيت، وفصمه مصراعين، والضغط على القافية الراجعة، يورث الملل ويصك الأذن. وخير من هذا إنشاد البيت على حسب انسياب المعنى في تضاعيفه، مع التمهل عند اللفتة أو النكتة أو اللفظ الموحى، ومع تسرق العروض والضرب، كأن القصيدة كلها بيت (مدور) على قول أهل العروض. ومما يذكر بعد هذا أن الممثلين لم يلحنوا إلا قليلاً، ولكن بين الذال والثاء وألسنتهم (ولا سيما ألسنتهن) مغاضبة شديدة

وكان التمثيل يجاري لون المسرحية نفسها، وهو اللون الابتداعي (على حد ترجمة الصديق صاحب (الرسالة) بل كان يذهب وراءه على الغالب: ضجة، ومبالغة في الإشارة، وإفراط في التعبير عن الشعور. ولم يمُسك عن هذا إلا ثلاثة: منسي فهمي، وحسين رياض، وعباس فارس، إذ طلبوا الاعتدال في الأداء لعلمهم أن الصدق فيما هو طبيعي

<<  <  ج:
ص:  >  >>