لقد كان القرن التاسع عشر بثوراته المختلفة ونهضاته العديدة باعثاً عدداً من الرجال الذين اشتهروا في شتى مناحي الحياة من سياسة واقتصاد، وفلسفة وتشريع، وأدب وحرب. ولكل دولة من الدول الأوربية عدد من الرجال الذين تفاخر بهم غيرها من سائر أمم الأرض. فظهر في بريطانيا في هذا القرن طائفة من عظام الرجال فاقوا أقرانهم في مختلف الميادين وأخص بالذكر منه ميدان الأدب.
بزغ نجم كثير من الشعراء والروائيين والنقاد والفلاسفة الذين رفعوا أسم انكلترة عالياً في ميدان العلم والأدب فرأينا بيرون وشلي وكيتس وتنسون وبراوننج يسعون في رفع شأن الشعر وإعلاء شأوه. وشاهدنا أوستن واليوت وريشاردسون وستيفنسن وسكوت وهاردي ينهضون بالقصة نهضة لا مثيل لها في تاريخ الأدب الإنكليزي. وطالعنا المقالات النقدية العديدة التي كان يكتبها عدد من مشاهير النقاد أمثال هازلت وجفريز وكارليل وأرنولد. وأما الفلسفة فقد تناولها من كبار المفكرين الإنكليز أمثال كارليل ودارون وارنولد.
لم تكن قريحة ارنولد مقتصرة على الشعر بل تعدتها إلى المقالات والفلسفة والتربية والنقد. ولا غرو أن يحسبه الكثيرون خير ممثل في انكلترة في القرن التاسع عشر.
ولقد ظهرت هناك منذ وفاته كثير من الكتب التي درسته درساً مسهباً. أضف إلى ذلك المقالات الجمة التي تناولت كل ناحية من نواحيه المختلفة فبدأت شهرته بالازدياد وتفوقه يظهر على سائر أقرانه منذ أن ووري في التراب فأصبح الآن معروفاً لدى جميع الأدباء والكتاب من سائر أمم الأرض المتحضرة.
حياته
ولد ماثيو ارنولد في مدينة ليلهام من ولاية مدلسكس في اليوم الخامس والعشرين شهر ديسمبر سنة ١٨٢٢، وكان والده الدكتور توماس ارنولد الذي اشتهر برآسته لمدة طويلة