قرأت كلمة الأستاذ الكبير عباس العقاد بعدد الرسالة رقم ٣٣٥ التي عنونها (مع أبي العلاء في سجنه) وفيها يتعقب الدكتور طه حسين بك في بعض ما ذكره في بحثه عن شيخ المعرة رهين المحبسين، إذ لا يرضى ما فهم من قول أبي العلاء في بعض فصوله:(يقدر ربنا أن يجعل الإنسان ينظر بقدمه، ويسمع الأصوات بيده، وتكون بنانه مجاري دمعه، ويشم الروائح بمنكبه، ويمشي إلى الغرض على هامته. . .) لا يرضى أن فيلسوف المعرة (قصد بهذا الفصل خاصة إلى رأي من أشد الآراء الفلسفية الأبيقورية خطراً، وهو إنكار العلة الغائية وإثبات أن العالم كما هو لم يخلق لغاية معينة من هذه الغايات التي نعرفها نحن ونزعم أن الأشياء خلقت لتحقيقها). ويرى - أي الأستاذ العقاد - أن هذا الرأي من الدكتور فيه شئ من الصواب، ولكن (أصوب من هذا أن يقال إن رأي المعري شبيه برأي المعاصرين الذين يقولون: إن الوظيفة تخلق العضو، وإن القوة تسبق الظاهرة).
هذه الكلمة أثارت مني رغبة كامنة في متابعة الكتابة في الرسالة - تحت عنواني الذي اخترته العام الماضي، وهو على هامش الفلسفة - لو إلى ذلك سبيل الآن! ذلك أن البحث الذي أعني بإعداده هذا العام أو بالتحضير له عن ابن رشد ومكانته في الفلسفة الإسلامية يملك عليّ كل أمري ويستأثر بكل وقتي أو لا يدع هذه الرغبة تخرج من القوة للفعل، إلى حين أرجو أن يقصر أمده إن شاء الله تعالى. إلا أن اتصال الموضوع الذي أثاره الأستاذان عن غير قصد بالدراسات التي أحبس نفسي عليها هذه الأيام، جعل من الواجب أن أكتب كلمة قصيرة أبين فيه أن التوفيق أخطئهما كليهما فلم يصيبا المحز. وإلى القارئ البيان:
تشير كلمة أبي العلاء - فيما أرى إن كان قالها جادّاً - إلى مسألة الأسباب والمسببات التي ثار حولها الخلاف الشديد بين الغزالي وبين الفارابي وابن سينا في تهافت الفلاسفة. ثم أثارها بعده ابن رشد في تهافت التهافت الذي كتبه دفاعاً عن الفلسفة والفلاسفة ضد ما وجهه الغزالي من هجمات نالت من الجميع نيلاً كبيراً، ولا تزال الفلسفة متأثرة بها حتى هذا العصر الذي نعيش فيه.
يرى الغزالي، ممثل المتكلمين في عصره، أنه كان من الممكن أن يكون العالم على غير ما