. . . لعل أسمى مراتب العظمة الإنسانية في الحياة الدنيا هي تلك الكلمة الصغيرة التي تفني الأجيال وهي باقية، وتتقلب الأزمنة وهي ثابتة، وتخفت الكواكب والأقمار وهي متلألئة متوهجة، والتي اسميها؛ ويسميها الناس معي (. . الخلود. .)!!
نعم. . إن أعظم ما في الحياة الدنيا وأبقى ما فيها من خير هو الخلود من غير شك. . وإذا قلنا إن الخلود هو أمتع ما في الحياة من جمال وروعة، فلأننا نريد أن نقول أيضاً إنه صعب المنال عسر الإدراك. لا يتشرى إلا بأعز ما في النفس البشرية، وأغلى ما فيها. . وهي الحياة. . فمن ضحى بحياته، أو كان على استعداد لتضحيتها في سبيل سعادة غيره ورفاهيته ورفع الظلم عنه نال الخلود لأنه أناله لغيره، أو حاول أن ينيله إياه - إن قصر أجله عن إتمام ذلك -
ومن ضحى بوقته وراحته في سبيل تثقيف الغير وتعليمهم، وتهذيبهم ونشر نور العلم بينهم. لن يفنى وإن فني جسمه، ولن يُنسى وإن اختفى شخصه، ورجع إلى الأرض التي منها نشأ وعليها تربى.
فالحياة والذكرى ليستا وقفاً على الجسوم الحية المتحركة. . وإنما هي رهينة تلك الأعمال الجليلة التي أداها أصحابها، وعلى تلك الخدمات الصادقة التي بذلوا في سبيلها راحتهم وشبابهم، والتي لن تفنى حتى يفني الفناء، ولن تزول حتى تتبدل الأرض غير الأرض والسموات.
فكم من حي لا تعرفه إلا نفسه، وكم من ميت بلى عظمه وفني جسمه، ومع كل فهو يملأ القلوب بحبه، ويملأ الدنيا بذكره واسمه.
ومن هؤلاء الخالدين المرحوم الأستاذ (محمد عبد المطلب) الذي تعرفون عنه أكثر مما أعرف، وتقدرون أعماله الجليلة كما أقدر، وتؤمنون بعبقريته الفذة كما أؤمن، وتعترفون بشاعريته الخصبة السامية كما أعترف، وتفخرون بدرره اللامعة - التي حلى بها جيد العربية - كما أفخر.
لهذا فإني أعتقد أنكم تودون أن تقرءوا له شيئاً لتمتعوا أنفسكم بسحر هذا الشاعر البدوي