لست أدري والله أي يومي (الرسالة) أمجد وأعلى، أهو الأمس وقد قصدت إلى عالي الأدب تنشره. وسامي المثل تضربه؟ أم هو اليوم وقد ضمت إلى ذلك مناجاتها لشباب البلاد وتوجهها إليهم لتحاورهم فيما يمس حياتهم، ولتلتمس معهم سبيل الهداية إلى ما هو أحرى بالقصد وأجدى على الوطن؟
ولقد أصاب مقالها الأخير في الديمقراطية مكاناً من النفس هز أوتارها، فإننا في أول عهدنا بحكم أنفسنا كما تقول وقد تشعبت أمامنا السبل ونشطت الآمال من عقالها؛ ولابد لنا من أن نسترشد في هذا العصر بالعقل الرزين والمنطق المتين، كما لابد لها أن نستلهم الشرف والوطنية، وأن ننأى عن كل مضنات الخطأ أو الإسفاف. وليس أحق من الرسالة بأن تلج هذه المعاني وتعالجها معالجة صريحة قويمة؛ وليس أحق من شباب البلاد بأن يرمي في هذا الحوار بسهمه ويدلي بدلوه، فإن المستقبل للشباب، ومصير البلاد آيل إليهم بعد حين؛ وما يكون اليوم خطأ يكون عليهم في المستقبل حملاً ثقيلاً، بل ربما يكون في سبيلهم عقبة لا يطيقونها ولا يقومون على تذليلها إلا بتضحيات ومشقات. فإذا نحن قلنا إن مصلحة البلاد في توخي هذه السبيل أو تلك فإن الشباب أول من يعنيه هذا القول، وينبغي لهم أن يكونوا أول المصريين اهتماماً للبحث وسعياً وراء المصلحة، لأنهم الذين سيجنون ثمار الخير إن كان خير، أو يحملون أوزار الخطأ إن كان لا قدر الله خطأ.
ولقد ثارت في الأيام الأخيرة كلمة في صحيفة من الصحف، ثم تبعتها كلمة أخرى في صحيفة أخرى، تناول فيها كاتباها موضوع الديمقراطية؛ وهاهي الرسالة تردد المعنى نفسه وتبحث فيه على أسلوبها ونبالة مراميها. وهذا الترديد في نفسه عظيم الدلالة، لأنه يدل على إن في النفوس معنى تحاول أن تستجليه، وذلك المعنى طبيعي لمن كان في عصرنا هذا يعيش بين تيارات مختلفة في مشارق الأرض ومغاربها؛ فبعض البلاد قد أتجه وجهة يسمونها الفاشية أو الدكتاتورية، ويحاول أنصارها أن يدعو لها ويمهدوا لحكمها بكل ما استطاعوا من وسائل الدعاية، ويدعمون حجتهم بأمرين: الأمر الأول إن تلك البلاد تهددها