للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أخطار جمة من جميع النواحي، فلا قبل لها بمقابلة تلك الأخطار إلا بجمع الشمل وضم الصفوف واتحاد الأفراد تحت إرادة واحدة لا يشذ عنها أحد. والأمر الثاني إن الطغاة القائمين على تلك الدول قد أصلحوا مرافق البلاد وزادوا في مجدها وقوتها ورفعوا شأنها بين بلاد العالم

ولسنا في صدد مناقشة هذه الحجج، ولا نريد أن نبين ما فيها من وجوه المغالطة والمداورة. وحسبنا أن نكرر هنا تلك الكلمة البديعة التي جاءت في افتتاحية العدد الأخير من الرسالة: (أنا أفهم إن المرء يقهر فيخضع، ويؤسر فيسترق، لأن الأمر في ذلك لا يخرج عن قانون الطبيعة من تغلب الأقوى وسيادة الأصلح، ولكني لا أستطيع أن أفهم كيف يستأسر شعب بأسره لواحد منه فيلقي بزمامه إليه، ويعول في جميع أموره عليه، والشعب مهما صغر لا يقل عن شعب، والفرد مهما كبر لا يزيد على فرد)؟

ولعل مصر أبعد بلاد العالم عن فكرة الطغيان ولعل شعب مصر أشد شعوب العالم كرهاً لحكومات الطغاة. ولقد جربت تلك المحاولة مرات في مصر الحديثة، وجربتها من قبل دول فلم تدم تجربتها طويلاً على أساس ثابت. وجربها ساسة فأسفرت تجربتهم عن فشل، وعادوا من التجربة بصفحة شوهاء؛ ولم يفوزوا بما أرادوا من ثبات الحكم بل ضاعت مجهوداتهم في مناضلة روح الشعب الثائرة، ولم يستطيعوا التفرغ لإصلاح ولا لتجديد. وحسب البلاد أنها عرفت إن مآل الطغيان إلى الانهيار، فلا نحسب أحداً يحدث نفسه بتجربة أخرى في ذلك السبيل، ولا نظن أحداً يجرؤ على الدعوة إليها صراحة، لأن الشعب كله يشعر بأن ذلك جرم اجتماعي لا ينبغي له أن يتسامح فيه. فلذلك لا نرى ثمة حاجة تدعو إلى التعرض لفكرة الدكتاتورية بالنقد أو الهدم إذ قد كفانا الماضي شرها فهدمها في عقائد الشعب وأظهرها له في ابشع صورها وأشنع آثارها

ولكنا مع ذلك نحمد للرسالة الغراء أنها هتفت بذلك الاسم الحبيب إلى النفس وهو (الديمقراطية) لأن الشباب جدير بأن يجعلها قبلته وشعاره. فإن الشعب الذي يحترم نفسه لا يتسامح في أمر حكم نفسه، بل يصر على أن يكون مرجع كل أموره إلى إرادته، ويصر على أن يكون رأي الفرد وإرادة الفرد ومجهود الفرد وحرية الفرد أساساً ثابتاً للمجتمع لا يحد من ذلك كله إلا حد الدستور وحد القانون

<<  <  ج:
ص:  >  >>