نحن لم ننكر ما في وجوه أهل الجنة من نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم متكئين على أرائك منصوبة على أطراف أنهار مطردة بالخمر والعسل واللبن، محفوفة بالغلمان والولدان، مزينة بالحور العين، وان فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ولكنا إن آمنا بهذا كله، فإنا اكثر إيماناً بان لذة النظر إلى وجه الله تعالى تفوق كل اللذات، وأن لذة اللقاء والرضى أسمى نعيم. وإنا نرى أن اللذات الأخرى الثانوية لذات حسية تسموا بالروح أو لذات روحية معنوية تطربها، لذلك قال مجاهد في قوله تعالى (وأزواج مطهرة) قال من الحيض والغائط والبول والبصاق والنخامة والمني والولد، فارتفع بلذة الأكل والشرب والنكاح من المستوى البهيمي إلى مرقاة الروح. وأنت في هذه الدنيا إذا جلست إلى مائدة فخمة، فتحركت فيك شهوة الطعام وسررت بألوانه المختلفة أمام ناظريك، تستطيع إن تضع على المائدة الأزهار والرياحين الجميلة، ووجودها لا يلهب الرغبة في الطعام، بل يجعلها شريفة ويوجد حولها جواً روحياً يسمو بها بعض السمو. ولذلك نرى الغزالي وهو حجة في الإسلام يجعل للأكل صفة اجتماعية منظمة، فيرى أن من آدابه إن يكثر الإنسان الأيدي على الطعام ولو من أهله وولده، وان يغسل اليد لان اليد لا تخلو عن لوث في تعاطي الأعمال فغسلها اقرب إلى النظافة والنزاهة، ولان الأكل لقصد الاستعانة على الدين عبادة، وان يبدأ باسم الله في أوله وبحمده في أخره. ولا ريب في إن القصد من هذا السمو بلذة الأكل وإحاطتها بأجواء روحية تخرجها بقدر الإمكان عن ماديتها. فإذا قلنا بروحية اللذات في الجنة وبان الحسي منها يعززه الإشعاع الروحي، فإننا إنما نعبر أصدق تعبير عن روح الإسلام (ولو كره الأستاذان جويق وحمدان). وكذلك يمكن القول عن الصلة بين المرء وزوجه، هل يمكن قصرها على الصلة البهيمية وأبعاد الصلة القلبية الروحية، أم أن الصلة القلبية الروحية هي الأصل، وما عداها تابع؟ ثم لماذا ننكر خطر الإشعاع الروحي؟ أما القول بأن السمو الروحي للذات الحسية يعترضه أن كل شخص لا يمكن أن يتعدى درجته من النعيم، فمردود بأنه لن يتعدى درجته لأن ما حوله من نعيم يهيئ له