للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رقص السماح]

للأستاذ حسني كنعان

هو نوع خاص من أنواع الرقص العربي القديم المجهول في أقطار البلدان العربية، اختصت به مدينة حلب وحدها دون سواها من عقيل المنبجي المدفون في ذروة جبل في قضاء منبج يسمى باسمه جبل الشيخ عقيل، ومنبج هذه مدينة تبعد عن حلب ٦٠ كيلا يرجع تاريخ وفاته إلى ٤٠٠ سنة على الجملة، وكان رحمه الله شيخ طريقة الأحمدية الموهوبين المرموقين ذوي الكرامات والخوارق، اخترع هذه الطريقة من الأذكار التي يلجأ إليها أصحاب الطرق الصوفية في خلواتهم عندما يتحلقون حلقات حلقات في الزوايا يذكرون الله في طرائق شتى، وفي أنغام متنوعة وموقعة على الضروب والأوزان، يرمز إليها بالأرجل، أو بالأيدي، أو بتقديم الصدر أو بتأخيره، وما هي إلا أن تبدأ حلقات الأذكار بإنشاد الموشحات حتى ترى أصحابها يتنقلون على حسب التواقيع ولأوزان، ويروحون ويجيئون في القاعات ويضربون الضرب بالأيدي والأرجل. وبتقديم الصدر وتأخيره في انسجام وترتيب خفة أو تباطؤ في التنقل يبهج الناظر، فما يكاد ينتهي الجمع من إنشاد موشح حتى يبدأ غيره من نغمة أخرى، فترى نفسك أمام هذي الموشحات الأندلسية التاريخية الموروثة كأنك في قاعة من قاعات ابن سراج في الأندلس أو ابن سريح، فتذهل عن الدنيا لشدة ما يداخل فؤادك من أنواع الطرب والشجن والتلهي، فتخالك في عالم غير عالمنا وفي دنيا غير دنيانا. وفي حلب الشهباء مشيخة في هذا الفن اختصاصيون ذاع صيتهم لدينا وغدوا مضرب الأمثال في البراعة، عرفنا من المتوفين منهم الشيخ صالح الجدية، وكان يحفظ عشرة آلاف موشح مع ضروبها وتواقيعها واوزانها، وعبده بن عبده، وأحمد أبو خليل القباني الدمشقي المعروف، وغيرهم من الذين لم تحضرني الآن سماؤهم. . .

وعرفنا من الموجودين على قيد الحياة منهم الشيخ عمر البطش، والشيخ على الدرويش، ومحمد طيقور. وإني أسجل هنا للتاريخ والحقيقة أن حلب قد انتهى إليها هذا الفن في بلادنا، ولأبنائها ميل خاص فيه طغى على جميع الميول، يصلون الليل بالنهار، والنهار بالليل دؤوبا عليه. وبين هذي الرقصات نوع خاص يسمى في عرفهم (إسق العطاش)،

<<  <  ج:
ص:  >  >>