زاولوا فيها كذلك شتى الأعمال الحكومية، واضطلعوا بمختلف المناصب!!. .
واسم الدر أعلق بأذهان الموظفين من اسم عنيبة الذي لا يعرفه غير المتصلين به من مهندسين ومدرسين وقضاة وأطباء وغير أولئك من طوائف الموظفين، فإذا ذكرت اسم عنيبة أمام أحد لم يفهم منه شيئاً، وخالني ألغز عليه، فإذا رآني جادا غير هازل، وصارما غير مازح، استفسر واستفهم، ولم يذهب فكره إلى أكثر من مديرية الجيزة أو الفيوم، أو بني سويف. فإذا قلت له أبعد من هذا صمت، وشك فيما أقول، فإذا ذكرت له الموقع بالضبط، وأنها بعد الشلال، انقبضت نفسه، وحال لونه؛ فإذا قلت له إنها هي الدر ذات التاريخ القديم الذي لا يجهله أي موظف، زم شفتيه ومطهما، وعقدما بين حاجبيه، وهز رأسه فزعا وهو لا مما سمع، وكأنما لسعته عقرب شائلة، أو لدغة أرقم لعين، واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وحوقل مرات، واسترجع في لهجة فزع، وكأنما ذكرت أمامه اسم واد من أودية العذاب، أو طبقة من طبقات الجحيم!!.
مهلا يا سادة. . فما هكذا تكون الوطنية، ولا هكذا يكمن الخوف والرعب في القلوب لمجرد المتع واللذة والبقاء في المدن العامرة، والعواصم الآهلة. .
ولحسن الحظ أن الموظف تعتريه حالة نفسية، ويسرع في قضاء ما أريده، وما أتيت من أجله، قضاء عاجلا ناجزاً، غير مقيد بقيد، ولا مشروط، على خلاف العادة، إذ كان يصرفني كل موظف من أمامه في لباقة أو غير لباقة. . وكأنه حينما يسرع في قضاء مصالحي يشفق بي، ويعطف علي، أو كأنه يريد أن يبعدني عنه، ليبعد عنه الشر!!
ومهما يكن، فإن اسم عنيبة أفادني إلى حد كبير في قضاء كثير من حوائجي حينما كنت أذهب بنفسي لقضائها، وكان خيراً وبركة على الرغم من كل ما يقال، وعلى الرغم من ألسنة بعض الإخوان والزملاء لحداد التي لا تني عن القدح في عيبة، والنيل منها في كل مناسبة، وفي كل مكان!