للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[العلوم]

النسل

للدكتور احمد زكي

منذ شهرين قامت ضجة في بلد من بلدان أوربا الوسطى وصل اضطرابها إلى أطراف العالم الحي. ذلك أن حكومة ذلك البلد قاضت جماعة من الأطباء قاموا بطريقة منظمة على تعقيم كل ذَكَر لا يرغب في الانسال، أو أنسل ولم يعد له رغبة في المزيد، أو له رغبة في المزيد تأباها عليه الضائقة الحاضرة، بثت هذه الجماعة دعايتها بين الفقراء من العمال والفقراء من الزراع، ولم تكن غايتها الكسب، فان أجرة العملية كلها على ما أذكر كانت جنيهين ونصفا في ذلك أجرة الطريق أو أجر السفر، وانما كانت غايتها منع النسل عن غير القادرين على رعايته، وتجويد نوع المواليد بالإقلال منهم، على قاعدة أن المائة من الجنيهات قد تنفق على اثنين وقد تنفق على أربع، ولكن إن هي أتتك في الحالة الأولى برجلين فهي تأتيك في الحالة الثانية بأربعة أنصاف من الرجال، وحيث أن الدنيا ضاقت بالعدد الذي لا يجد عملا، فأولى بالناس أن ينصرفوا عن العدد إلى الجودة، وعن الكم إلى الكيف. ولكن الحكومة التي رفعت الدعوى عليهم رأت أن في العدد سلام الدولة، وان للكم الغلبة بين الأمم. ومهما يكن من رأي هؤلاء أو أولئك فالذي نريد أن نسجله دعوى جديدة تدعيها هذه الرفقة، وهي أنهم يقطعون بمشرطهم حبلا فيقطعون ما بين الرجل وذراريه، ثم يصلون بملقط ما قطعوه، فيعود الرجل إلى إنتاجه القديم. ونريد أن نسجل أن بهذا المشرط ولا سيما بالملقط ستحدث أحداث غريبة في العالم ستأتي على رغم الكراهات وبرغم القوانين ولو أبطأت بها الأيام

الإنتاج من قديم فخر الرجل والعقم عاره، ولكن كان هذا والأيام تسير الهوينى والأرزاق كأنها تتنزل من السماء على أنفس قنوعة راضية، أما المدنية الحاضرة مع بوائقها وضوائقها وانعدام العصبية الأسرية فيها إلى حد كبير، فلا تكاد تبقي للإنسان فخارا بخلف أو عاراً من عقم، ولا سيما عقما لا يذهب بمشاعر الحيوانية من الإنسان، دليل ذلك أن الكثيرين يتعقمون اختيارا، وفي مصر من هؤلاء عدد يذكر تعقموا في وضح النهار على سمع الناس وأبصارهم. ولكنهم مهما كثروا قليلون إلى جانب من يرغبون في حبس النسل

<<  <  ج:
ص:  >  >>