للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ذكرى المغفور له]

أمين الرافعي بك

للأستاذ علي عبد الله

كان اليوم التاسع والعشرون من ديسمبر الماضي موعد الذكرى الخامسة عشرة لوفاة فقيد الوطن المغفور له أمين الرافعي بك

وليس أحق بالتكريم ولا أولى بالوفاء من ذكرى هذا الرجل الذي عاش حياته كلها يدافع عن الحق ويدعو إلى الله على بصيرة، ويبذل من ماله ومن دمه في سبيل أمته ما ليس وراءه غاية لمريد، ولا زيادة لمستزيد. ولو عرفنا أقدار الرجال بالمعنى الذي تعرفه الأمم الأخرى، لجعلنا ذكرى وفاة هذا المجاهد الصادق يوماً من أيام القومية المصرية، ولاتخذنا حياته الحافلة بالعظائم والجلائل نموذجاً لكمال الأخلاق، وشرف التضحية، والنزاهة المطلقة، وجعلنا من سيرته العاطرة كتاباً في الوطنية يدرسه الناشئون، ويسير على قواعده العاملون!

ولكنا من سوء الحظ نؤمن بالمظاهر دون الحقائق، ولا نعرف قيم الرجال إلا بمقدار ما لهم من الحول والطول، وما حولهم من المتاع والحطام! ولست أدري كيف ترجو الخير أمة تنسى حقوق أبنائها الذين استشهدوا في ميدان التضحية، وكتبوا صحائف جهادها الوطني بمداد من دمائهم، وقطرات من ذوب نفوسهم! ومن المؤلم حقاً أن يوجد في الأمة المصرية من يجهل فضل أمين الرافعي عليها، وهو رجل يعتبر تاريخه تاريخاً للحركة الوطنية في جميع أدوارها؛ إذ كان له في كل ميدان جولة، وفي كل معترك صولة؛ وكان قلمه سيفاً في يد الحق، إذا تصدى للباطل زهق، وإذا انبرى للطغيان مرق؛ كأنما كانت تؤيده السماء بالتوفيق، وتمده القدرة بالإلهام، ويوجهه الإيمان إلى السداد. ما عالج موضوعاً إلا أصاب الهدف، ونفذ إلى الصميم، وانتهى منه إلى الغاية المرجوة، لا سلاح له غير الحجة البالغة، والدليل الواضح، وقواعد البحث الدقيق، وقضايا المنطق السليم!

ولقد كان أمين عليه رحمة الله الكاتب الوحيد الذي حفظ الله قلمه من العثار، وعصم لسانه من الفحش؛ فما جارت الخصومة في يوم من الأيام على أخلاقه ولا ورطته العداوة في الكتابة إلى كلمة نابية أو عبارة مؤذية لا يرضى عنها الخلق، ولا يطمئن إليها الضمير.

<<  <  ج:
ص:  >  >>