لا يكفي لنجاح أي نظام من النظم ولا تمام أي برنامج من البرامج أن يكون هذا النظام قوياً، أو يكون هذا البرنامج صالحاً، فكم من نظم قوية، وكم من مبادئ سليمة، وكم من برامج صالحة، صرعها الدهر وعفى عليها الزمان! ولكن أهم ما توطد به دعائم الإصلاح إلى منفذين صالحين يفقهونه ويدركون أسراره ويعرفون مراميه واغراضه، وتساعدهم صفاتهم وطبيعة نفوسهم على تحمل تكاليفه، والنهوض بتبعاته.
لذلك قضت حكمة الله، وقد طبع شريعته الخالدة بطابع الوضوح والصفاء واليسر والرحمة، أن يختار لها منفذاً ومطبقاً يكون له من الصفات النفسية ما لا يتنافر مع هذه الطبيعة، بل ما يستطيع به أن يجاري روحها ويمضي على سننها، وينفذ إلى صميمها، فاختار لها (محمد) صلى الله عليه وسلم، و (الله اعلم حيث يجعل رسالته).
تمتاز هذه الشريعة بالصفاء والوضوح والصراحة في مواجهة شؤون الحياة، ومجانبة التعقيد والتكلف في كل شيء:
عقيدة سهلة لا تستدعي من العاقل اكثر من النظر في ملكوت السماوات والأرض، بل لا تستدعي منه اكثر من النظر في نفسه ليعلم أن له إلها قادرا حكيماً مبدعاً أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. عقيدة واضحة يدركها العامة والخاصة في كل زمان، وليست في حاجة إلى فلسفة المتفلسفين، ولا إلى تكلف المتكلفين، لأنها (فطرة الله التي فطر الناس عليها).
عقيدة تفتح أمام صاحبها آفاق الحياة، وتجعله واثقاً من نفسه، غير مستعين إلا بخالقه، لا يعرف الخضوع والذل إلا لله الذي لا رب سواه.
وأحكام قوامها العدل والرحمة والتيسير على الناس، وبث روح التعاون فيهم، واقتلاع أسباب الشر والخصومة من بينهم، وتهيئة الحياة السعيدة لهم.
هذا الطابع الذي تمتاز به الشريعة الإسلامية، والذي هو مزاج من الصفاء والوضوح، والسهولة والتيسير، والرحمة والعدل، والصراحة في مواجهة شؤون الحياة، ومجانبة التعقيد والتكلف في كل شيء هو بعينه الطابع الذي طبع الله نبيه ومصطفاه: نفس صافية. مزاج سليم. قلب رحيم. لسان عف صدوق. صراحة في مواجهة شؤون الحياة. بغض شديد للنفاق