والمنافقين. ترفع عن أساليب الختل والمواربة والخداع والدوران حول الأمور. تصرف عادل رحيم يبعث على الثقة، ويوحي بالطمأنينة، ويغري بالقدوة، ويحمل على الحب والإجلال!
كذلك كان رسول الله صلى اله عليه وسلم.
كان صافي النفس، وقد ظهر أثر هذا الصفاء في نواح متعددة من خلقه الكريم: فهو لا يحمل الحقد لاحد، ولا يحب أن يفسد عليه أحد هذا الصفاء النفسي فيقول:(لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئاً، فإني احب أن اخرج إليكم سليم الصدر).
وهو طبيعي في صلاته بأصحابه يمازحهم ويخالطهم ويحادثهم ويداعب صبيانهم، ويجلسهم في حجره، ويجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين، ويعود المرضى في أقصى المدينة، ويقبل عذر المعتذرين، ويبدأ من لقيه بالسلام والمصافحة، ويكني أصحابه ويدعوهم بأحب أسماءهم إليهم، ولا يقطع على أحد حديثه، وما دعاه اتحد من أصحابه ولا أهل بيته إلا قال له لبيك!
وكان يكره التكلف، وينهي عن التشدد والتزمت (ويأخذ العفو ويأمر بالعرف ويخفض جناحه للمؤمنين، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادل الناس بالتي هي احسن، ويميل إلى اليسر والسهولة في كل شيء: ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن آثما، وما سئل شيئا عنده إلا أعطاه، وما انتقم لنفسه قط، وما نهر خادما ولا مملوكا).
وكان سهلا إذا اخذ، وسهلا إذا اعطى، متلطفا في ضروب الإحسان: يقترض فيرد اكثر مما اقترض، ويشتري فيعطي أكثر من الثمن، ويقبل الهدية ويكافئ عليها بأضعافها، وكان عطاؤه عطاء من لا يخاف الفقر، وكانت الصدقة احب شيء إليه، وكان سروره وفرحه بما يعطيه اعظم من سرور الآخذ بما يأخذه. وكان إذا عرض له محتاج أثره على نفسه تارة بطعامه، وتارة بلباسه، وكان من خالطه وصحبه ورأى هدية لا يملك نفسه من السماحة والندى.
ولقد ظهرت آثار هذه الصفات الشريفة في سائر أحواله وتصرفاته صلى الله عليه وسلم، وظهرت في سياسته الحكيمة التي ساس بها قومه، وجعلها نهجا للحكام والرؤساء من بعده.