وظهرت في تطبيقه لكتاب الله، وتنفيذه لأحكامه. وظهرت فيما أوصى به أمته مما يتصل بالعبادات أو المعاملات أو الأخلاق:
سامه أعداؤه سوء العذاب، واضطهدوه في نفسه وفي أصحابه، ورموه بكل منكر من القول وزور، وكانوا يضعون في طريقه الأشواك والأقذار، ويطرحون عليه وهو يصلي جلود الإبل والبقر؛ ويمنعونه وأصحابه أن يبيعوا لأحد شيئاً أو يبتاعوا، بل كانوا يتآمرون عليهم، ويدبرون المكائد لهم، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلقي ذلك كله منهم صابراً محتسباً نقي الصدر من الحفيظة، سليم القلب من الموجدة؛ بل كان يلقاه بالدعاء لهم فيقول (اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون!)
ولقد خضبوا وجهه بدمه، وكسروا رباعيته، وهو مع ذلك عليهم، ولا يسأل الله تعذيبهم. ويقول:(أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده ولا يشرك به شيئاً).
ولقد أخرجوه من مكة وطنه الحبيب إلى قلبه؛ وأخرجوا معه كل من اعتنق دينه، فلما أظفره الله بهم وفتح له مكة حطم أصنامها، أو زال أوثانها ثم خطب أهلها فقال:(يا أهل مكة ما ترون أني فاعل بكم؟) قالوا: خيرا. أخ كريم وابن أخ كريم. قال:(اذهبوا فأنتم الطلقاء)
ولقد كان الرجل من العرب الجفاة الغلاظ يدخل عليه غبر مستأذن، ويناديه باسمه مجرداً يسأله عن شيء أو يقتضيه حقاً، فيحلم عليه ويجيبه متلطفا في خطابه، قاضيا حقه، فإذا غضب له أحد من أصحابه رده عن غضبه، وهدأ من ثورته. وقد أفضت هذه السياسة الرشيدة بكثير من أهل الكفر إلى الإسلام، واصبحوا بها من خيار المؤمنين!
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم المعلم لأصحابه: يردهم إذا أخطئوا في رفق وأناة، ولا يعنف عليهم، ولا يؤنبهم، بل يبتسم لهم، ويبش في وجوههم. حدث معاوية بن الحكم السلمي قال: كنت اصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعطس رجل من القوم، ولم اكن أعرف أن الكلام يفسد الصلاة، فقلت له يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم يتعجبون مما فعلت، فقلت: واثكل أماه! ما شانكم تنظرون الي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم وينظرون إلي متعجبين، فلما رأيتهم كذلك سكت حتى انتهى رسول الله صلى اله عليه وسلم من صلاته، فبأبي هو وأمي! ما رأيت معلما قبله ولا بعده احسن