للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الكتب]

رحلات

للدكتور عبد الوهاب عزام

هذه رحلات وأسفار، صور شاهدها قلم مبين، وناهيك بقلم يحمله الدكتور عبد الوهاب عزام.

وقراء الرسالة لا شك يعرفون الدكتور الفاضل باحثاً مدققاً وعالماً متمكناً، وناقداً بارعاً، ورجلاً تتمثل كل معاني الرجولة في أخلاقه وفي سلوكه، ولكن قلّ فيهم من يعرفه شاعراً موهوباً من الطراز الأول، يستطيع أن يجري في الحلبة فيسبق، لأنه رجل لا يحب أو قل لا يحسن الإعلان عن نفسه، فهو يجاهد ويجاهد حتى يرضي بالجهاد ربه ونفسه، ثم لا يعنيه بعد ذلك مأرب، فيرضى من الغنيمة بالإياب.

وشاعرية الأستاذ عزام تتجلى في قصائده (المكتمة) أو قل الموءودة، وهو لا شك محاسب بين يدي الله (إذا الموءودة سئلت، بأي ذنب قتلت)، وإن هذه الشاعرية لتتجلى أيضاً في آثار قلمه في الوصف والإفصاح عن إحساسه بالمرئيات، فأنت إذ تقرأ هذه الرحلات، فستجد فيها دقة الباحث، وحكمة العالم، وظرف الأديب، وخيال الشاعر وعاطفته. وأي شعر أبلغ من قول الدكتور، وهو يجيل النظر في أرجاء سيناء: (وأصبحنا نطل على بيداء ليس فيها إلا رمال تتخللها أعشاب وأشواك، ولكنها سيناء! والله ماذا ضمنت سيناء من الخبر والعبر! فيها الطور الذي آنس موسى من جانبه نور الهدى، وعليها مدَّ الزمان وجزر بالغير سعيدة وشقية، والجيوش هازمة ومهزومة، فتمثّل جيوش الفراعنة ذاهبة إلى الشام وآيبة، أو جيوش بابل وفارس مطرودة وطاردة، ثم جيش الإسكندر وجيوش الرومان، ثم جيوش العرب والترك دول بعد دول، وسطور تمحو في صحائف الزمان سطوراً، كما خط في القرطاس سطر على سطر، تزاحمت الذكريات، وترادفت العظات).

بل أي شعر أفصح من قول الدكتور على قبر صلاح الدين الخالد: (ثم رقينا درجات قليلة إلى باب آخر؛ فيالك حجرة جمعت من العظمة سورة متلوة على الدهور، وحوت من عبر التاريخ ما تضيق به السطور! يالك حجرة كعنوان الكتاب الكبير يقتحمه النظر في لحظة، ثم لا يزال ينفتح على الصفحة بعد الصفحة! يالك من مكان وسع ملء الزمان! ويالك من

<<  <  ج:
ص:  >  >>