تلك الآيات القصار من موجز البلاغة من صائغها ومنتقى ألفاظها ومودع الحكمة في خلالها؟ إنها أسلوب غير أسلوب الفرد في كلامه، ولكن الأمم لا تجتمع للتأليف والصياغة فيقال أنها من تأليف أمة في أجيالها المتعاقبة. وهي بلا ريب لم تؤلف نفسها ولم تكن قولاً بغير قائل. فأصدق ما يقال فيها إنها كلام فرد صقلته الأمم جيلاً بعد جيل، وإنها وحي الإنسانية أجرته على بعض الألسنة وتعهدته بعد ذلك بالتنقيح والمراجعة فليست هي لغة فرد ولا صياغة أمة، ولكنها مساهمة من كل بما يستطيع فيها. فالفرد يستطيع أن يصوغ الكلام، والأمة تستطيع أن تقبل أو ترفض حتى يستقيم لها القول على ما تحب، ومن هذا وذاك تتجمع الأمثال
وقد اتفق في أمثال الأمم أمران عجيبان كأنهما متناقضان لا يتفقان
فأمثال الشعوب تتشابه في مغزاها، وتتوارث في محصولها ومؤداها، حتى يصح أن يقال في هذه الناحية إن الأمثال إنسانية عالمية يتفق فيها جميع الناس.
لكن أمثال الشعوب مع هذا قومية وطنية تدل على أهلها وتنم عن خلائق ملة بعينها، فلا تقرأ أمثال العرب دون أن تعرف منها شيئاً عن العرب لا تعرفك مثله عن الفرس أو الترك أو الروم، ولا تقرأ نخبة من أمثال الأوربيين إلا فرقت بينها وبين نخبة من أمثال الآسيويين أو الأمريكيين. فهي تكشف لنا الإنسانية لأن الأمم كلها من بين الإنسان، وتكشف لنا كل أمة على حدة لأن الناس يختلفون كما يتفقون، ولا تناقض بين الأمرين
ظهر في العهد الأخير كتاب إنكليزي عن الأمثال الروسية من أوفى ما كتب عن هذه الأمثال. فأوجز ما يوصف به إنه يلقي لك ضياء على كل حادث عظيم في تاريخ هذه الأمة ماضيها وحاضرها، منذ جلت عن سهوب آسيا إلى أن وقفت في حربها مع الألمان موقفها المجيد الذي قلت نظائره في تاريخ الحروب!
تقرأ هذه الأمثال فتوقن أن الروس والجرمان لا يعيشون في السلم والوئام إلى زمن طويل. وأول هذه الأمثال قولهم: إن (ما ينفع الروسي هلكة للألماني). . . ومصداق ذلك في