ومن تلك الأمثال وفيها الدلالة على الحرب التي يحسنها الروسيون، أن البحر جميل من الشاطئ، وأن البعيد عن البحر بعيد عن الأحزان، وأن الموت أخ للجندي الروسي، وأن امرأة هذا الجندي ليست بزوج ولا بأيم، وأنه (ما كل رصاصة تصيب عظمة في الجسد؛ فقد تصيب الرصاصة الفراغ!)
وقلما دخل الروس حرباً إلا تركوا بعدها أمثالاً تنبئنا ببعض أنبائها. فمن بقايا حرب نابليون مثلهم القائل:(ما أسعد الفرنسي بغراب!) لأن جنود نابليون كانوا يتصيدون الغربان التي تأكل قتلاهم فيطبخونها وهم هلكى من الجوع!
ومن بقايا حروبهم مع الترك ذلك المثل الذي يفيض بالسخرية والشهادة لشجاعة الخصمين:(يتساقط الترك، ولكننا والحمد لله صامدون في الميدان. . . بغير رؤوس!)
ولعلنا لا نعرف جهاد الروس في طلب الحرية من بضع كلمات كما نعرفه من الكلمات القليلة التي يجمعونها في قولهم:(تبحث عن شجاع. . . اذهب إلى السجن!)
فقد مضى على الروس حقاً ذلك الزمن الذي كانت فيه السجون أجدر الأمكنة أن تبحث فيها عن الرجل الشجاع، وذلك زمن الثورات، أو زمن الجهاد في طلب الحرية، أو زمن التمرد على السلطان الذي لا خير فيه
ويذكر القراء أن قياصرة الروس كانوا من أكبر الدعاة إلى السلم في عهدهم الأخير، وأن حكيم الروس الكبير - تولستوي - كان أكبر دعاة السلام في أوائل القرن العشرين. ولكن الروس وحدهم هم الشعب الذي سجل خيبة الأمل في السلم كما تمناه منهم الرؤساء والمصالحون، فقالوا في أمثالهم:(إن السلم الدائم ليدوم. . . ولكن إلى أول حرب مقبلة. . .)
وهكذا أوحت الحكمة إلى ألسنة الدهماء، ما لم توحه إلى الساسة ولا إلى الحكماء
وكل خلائق الروس ظاهرة في أمثالهم الشعبية، وليست خلائقهم في حروبهم وثوراتهم وكفى؛ فهم معروفون بالتواكل والاستسلام للقدر فيما ينوبهم من عثرات الجدود، وذلك ظاهر في قولهم:(إذا طرق بابك الجد العاثر فافتحه له على مصراعيه). . . يريدون أن الجد غالب على أمره؛ فكل حذر في اتقائه لا يفيد