الفقر أعظم آفات الاجتماع البشري، وأعظم ما يثير السخط على الحياة، وأشد ما يفجع الناس في حياة الكرامة والسكينة والاطمئنان، ويثير بينهم الحقد والبغضاء، ويرميهم بحروب الطبقات وحروب الأمم، فإذا عولج المجتمع منه نجا من آثار قرينيه وهما الجهل والمرض اللذان يتبعانه ويكوّنان معه ثالوث الشقاء الإنساني الذي إذا خلا منه وجه الحياة بدا جمالها ورضى الناس عن الحياة ورضى الله عنهم. . . لقد نظر الإسلام في حال الفقير فرآه إما أن يكون عاجزاً عن الكسب لعلة به، وإما أن يكون عاجزاً عن الكسب لفقد الوسيلة إلى العمل.
فأما الذي يعجز لعلة لا علاج لها فقد جعل مواساته حقاً على المجتمع لا تبرعاً وتطوعاً. قال الله تعالى (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) فصان بذلك كرامته الإنسانية.
وأما الذي يعجز لفقد الوسيلة إلى العمل فقد أوجب على الدولة إيجاد الوسيلة لتكسبه، وقد قنح الإسلام السؤال ودعا المسلم للترفع عنه، فاليد العليا خير من اليد السفلى. وقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم سائلاً درهماً وأمره أن يشتري به فأساً وحبلاً ويحتطب، ولا يتعرض لذل السؤال.
والأصل في الإسلام هو العمل والتكسب، وقد حض عليه بجميع الوسائل، حتى لقد فضله على الانقطاع لعبادة الله، ولكنه كذلك أنصف المجتمع بإلزام الدولة أن تعين على إيجاد العمل لمن لا يجده، وأن تحمي من يعجز عنه.
وقد أراد الإسلام أن يجعل مستوى المعيشة متناسقاً ومتقارباً بين أتباعه، فحارب الترف في أعلى المجتمع، وطار البؤس في أسفله، وأتخذ لذلك وسيلتين: وسيلة الضمير وهي أقواهما، ووسيلة القانون، فجعل الحياة السعيدة الخالدة لا تنال إلا بالإنفاق على المستحقين من الأهل والأقربين والمساكين، ولا ينال متاعها المسرفون الذين جعلوا شهواتهم في هذه الحياة أهدافهم.