للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[من هنا ومن هناك]

كتاب عن مقاهي باريس

أجل كتاب عن مقاهي باريس صدر أخيرا بقلم مسيو فرانسوا فوسكا، وعنوانه (باريس قريتي) وانه لنوع طريف من الأدب أن يعنى كاتب بهذه الناحية من الحياة مدينة عظيمة؛ فكما أن باريس تزخر بمتاحفها وكنائسها وآثارها العظيمة، فهي أيضا تزهو وتتألق بمقاهيها ومنتدياتها الليلية. وقد تناول مسيو فوسكا في كتابة صور المقاهي الباريزية الشهيرة في العهد المنقضي والعهد الحالي، ووصفها وصف خبير طاف بأرجائها وتسكع في أركانها؛ فمن مقاهي بروكوب دي ديكلو، والريجانس، إلى مقاصف البالية رويال، وسورس دي فرلين، وفاشيت دي موريا، وفبير، وبار دي لابية، وتولية وغيرها إلى منتديات اليوم ومعاهده. وهي صور تثير في نفس الباريزي الحق شجنا وذكريات عزيزة، ولا سيما حين يتصفح أسماء وصورا كانت بالأمس متألقة شهيرة ملء الأبصار والأسماع، وكان يهرع إليها ويتخذ مكانة بها ويقضي فيها ساعات لذيذة، قبل العشاء أو بعد المسرح، ثم اختفت اليوم صورها وأثوابها القديمة المحبوبة لتفسح مكانا لأثوابها الجديدة، وأي باريزى حق لا يتأثر حين يستعرض ذكريات (قهوة الإنكليز) (كافيه ديزانجليه) الشهيرة التي كانت قطعة من حياة كثيرة من أقطاب السياسة والقلم في أواخر القرن الماضي، والتي أضحت أثرا بعد عين، ثم (مقهى نابولتان) الذي غيرت معالمه ومظاهره، وكذلك مقهى فبيروباردىلابيه. لقد ذهبت هذه المعاهد القديمة، واكتسحها تيار التحول الحديث، فأسبغ عليها تخطيطاً خشناً، وأنوارا مؤذية، وترفاً سخيفاً، ورفع عنها ذلك الجو العائلي الذي كان يشعر به الرواد من قبل. بيد أنه ما زالت توجد طائفة من المقاهي القديمة، الفرنسية حقاً، وهذا ما زالت كعبة الباريزيين المحافظين الذين يسحرهم المكان والمجلس بأكثر مما يسحرهم المأكول والمشروب

وينوء مسيو فوسكا في كتابه بما كان لهذا المقاهي الباريزية الشهيرة من أثر في تكوين الأوساط الأدبية والفنية؛ فقد كانت مقصد الكتاب والفنانين والشعراء من كل ضرب، وكانت مجمعهم، وكثيراً ما كانت مركزاً للحلقات الأدبية والفنية الشهيرة، وكثيراً ما كانت مصدر الوحي لكاتب أو شاعر أو فنان. ومن ثم كان كتاب مسيو فوسكا قطعة اجتماعية أدبية فنية

<<  <  ج:
ص:  >  >>