صدر أخيراً بالفرنسية كتاب طريف فريد في نوعه وموضوعه للسيدة ماري شكيفتش عنوانه (ذكريات عصر مضى)، وفيه تتحدث المؤلفة عن حياة المجتمع وأبهاء الأدب والاجتماع قبل الحرب، ولا ريب أن كثيراً من نواحي الحياة الاجتماعية قد تغير تغيراً عظيماً، وأصبحت تلك الحياة الذاهبة نكرة بالنسبة للجيل الحالي، والحياة تتغير دائماً بلا ريب، ولكن المرحلة التي استحالت إليها الحياة الاجتماعية بعد الحرب كانت سريعة عنيفة، وكان الانقلاب ثورياً لم يتخذ أسلوب التطور العادي. فمن يقرأ كتاب السيدة شكيفتش من شباب العصر يكاد يعتقد أنه يقرأ عن مجتمع غاضت كل آثاره وكل ألوانه الأولى. على انه مما يلاحظ أن الحياة الاجتماعية ولا سيما حياة الأبهاء الأدبية تسير أيضاً إلى تطور مستمر؛ ولقد كان أولئك الذين عرفوا هذه الحياة أيام روسو ومدام ديبناي مثلاً، ينكرونها بعد ذلك بنحو نصف قرن، أيام عود الملوكية في أوائل القرن التاسع عشر. وكان أولئك الذين عاصروا مدام ريكامبية وشاتو بريان وتذوقوا الحياة الاجتماعية الأدبية في ذلك العصر يرون في أطوارها وأساليبها التي اتخذتها في عصر الإمبراطورية الأولى حياة جديدة لم يعرفوها؛ على أن هنالك ظاهرة يجب الالتفات إليها، وهي أن صور الحياة العقلية في ذاتها لم تتطور كثيراً من الوجهة الاجتماعية؛ وفي وسعك أن تتصور أن الكتاب والمفكرين في العصور الخالية كانوا يجتمعون في حلقاتهم أو أبهائهم لمثل ما يجتمع له الكتاب والمفكرون في عصرنا؛ غير أن أساليب الاجتماع ذاته قد تغيرت؛ وتبوأت المرأة في العصور الحديثة مقامها اللائق في الأبهاء الأدبية والحلقات الاجتماعية فنفثت فيها من نفوذها وسحرها ألواناً قوية أضحت اليوم من أظهر خواصها الاجتماعية. وحياة الأبهاء الأدبية من أهم عناصر الحياة الفرنسية الاجتماعية في جميع أطوارها الحديثة؛ وإنك لتقرأ في مذكرات سانت سيمون، أو رسائل مدام سفنييه ما تقرأه اليوم في ذكريات مدام شكيفتش من ألوان هذه الحياة الاجتماعية والأدبية الساحرة، وقد لاحظ كاتب كبير بحق أن أهم ظاهرة في الأدب الفرنسي هي أنه اجتماعي، فكل ما فيه كلام عن المجتمع، وكل ما فيه موجه اليه، والحياة الفرنسية في ذاتها تقوم على الاجتماع والروح الاجتماعية قبل كل شيء؛ وسحر مؤلف مدام