(إلى المترفين في المدينة أولئك الذين يتشدقون بإصلاح الريف
وهم لا يدرون شيئاً عن هذا الريف)
كانت الساعة تقارب العاشرة صباحاً. . . كانوا قد تلقوا الدرسين الأول والثاني في مدرسة القرية، ثم انطلقوا. . . انطلقوا من الفصول كالعصافير الحبيسة حينما تنطلق من القفص بعد حبس طويل، انطلقوا يقفزون ويركضون، ويزعقون ويتصايحون، لغير ما قصد ولا غاية إلا تأكيد شعورهم بأنهم طلقاء بعد الحبس الطويل!
ثم لكي يفرغوا لنقل ما تحمله جيوبهم من بعض الأطعمة إلى بطونهم، فلقد حملوه نحو ساعتين، ولكن (النظام) في الفصل لم يكن يسمح لهم بعملية تفريغ الجيوب!
ثم لكي ينصرف أبناء الأغنياء منهم إلى (عشة عم خليل) بائع القصب والبلح، فيشتروا منها بمليم!
ولم تكن هذه كل قيمة (الفسحة)، فلقد كان لهؤلاء الأطفال مآرب في تلك الفسحة القصيرة - ربع ساعة - لقد كانت المدرسة في طرف القرية على حدود الحقول الواسعة. وإذا كانت وظيفة الحقل أن ينبت للناس وللماشية الحبَّ والأبَّ، فلقد كانت له وظيفة أخرى عند تلاميذ المدرسة، وعند غيرهم من سكان القرية. . . إنه يقوم لهم بوظيفة المراحيض العمومية!
انطلق التلاميذ إذن في كل مكان يفرغون ما تحمله جيوبهم في بطونهم، وما تحمله بطونهم في الحقول القريبة. . . ولكنهم فوجئوا بجرس المدرسة يدق دقاً عنيفاً متواصلا قبل الميعاد المقرر للحصة الثالثة.
وانتظموا صفوفاً بعد قليل، ولم يسمعوا تلك النداءات المعهودة التي يؤدون على أساسها بعض الحركات الرياضية الساذجة، ولكنهم سمعوا ناظر المدرسة يلقي عليهم خبراً غريباً عجيباً لم يسمعوا به قبل الآن. . . إنهم الآن ذاهبون إلى (دُوّار العمدة)، وسيسيرون في الطريق بنظام. وكان هذا يقتضيهم أن يقطعوا شوارع القرية كلها تقريباً، فدوار العمدة في