أقصى الطرف الآخر من القرية، والناظر يحذرهم من الإخلال بالنظام أثناء السير، والالتفات إلى اليسار أو إلى اليمين، وبخاصة عند مرورهم (بسويقة القرية)، حيث يعرض القصب والبلح والتفاح البلدي الفج!
يذهبون إلى دوار العمدة؟ ولماذا؟ وهم لم يدخلوا هذا الدوار قط، وان سمعوا من آبائهم وأهليهم انهم يذهبون في بعض الأحيان، عندما يستدعيهم أحد الخفراء، أو لأداء الشهادة، أو للشكوى من بعض الفلاحين. . . أما هم. . . هم تلاميذ المدرسة، فمالهم وكل هذه الأشياء؟
وكان هو جريئاً بعض الشيء على ناظر المدرسة ومدرسيها، فاستطاع أن يسأل: ولماذا نذهب إلى دوار العمدة؟
سأل، ويا ليته لم يسأل! لقد كان الجواب كارثة عظمى لم تخطر له على ولا لزملائه على بال. . أن (الحكيم) هناك - أي الطبيب - وهو يطلبهم جميعاً!
الحكيم؟ يا للداهية! اليوم دنت أخرتهم ولا شك، فعهدهم بالحكيم هذا ألا يزور القرية إلا في يوم اغبر أكدر، يوم يقع في البلد قتيل، ثم تحضر (النيابة)، ويحضر معها الحكيم لتشريح الجثة!
والنيابة والحكيم هذان هما الشيئان الهائلان المخيفان في القرية كلها. أما في أذهان الأطفال، فهما (هيولي) لا يتصورون لهما شكلا ولا حجما، فخيالهم الصغير يستطيع أن ينطلق في تصورهما كيف شاء، ولكنه لن يميزهما بحدود مما يميز الأشخاص والأشياء.
ثم ها هو ذا الحكيم يطلبهم، يطلبهم هم بالذات، فماذا يكون الأمر؟
إنهم لا يعرفون لماذا يطلبهم مطلقاً؛ ولكنهم واثقون في قرارة نفوسهم انه لن يكون خيراً. وأنهم لن يخرجوا من الدوار - إذا خرجوا - وهم سالمون مثلما دخلوا بحال من الأحوال!
وما وظيفة الحكيم؟
أليست وظيفته أن يشرحّ جثث الموتى، وأن يبقر بطون المصابين، أو يقطع أيديهم وأرجلهم لمجرد الإيذاء، أو لكي يفحصها ويلتذ بفحصها؟ أو أن يسقي بعض المرضى (الفنجان) - أي السم - ليموتوا، حتى لا يتعب في علاجهم، أو تلبية لرغبة العمدة الذي يرشوه للتخلص من خصومه الذين يصابون في الحوادث!