للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنهم ليسوا قتلى يشرحهم، وليسوا مصابين يقطع أوصالهم، أو يسقيهم (الفنجان). . . ولكن، أو يستدعيهم إلا لأمر ما؟ أخف شيء يصنعه بهم هو (التجريح). . . (وهو الاصطلاح الذي يطلقونه على عملية التطعيم)، تلك العملية المرعبة التي يندب لها بعض معاوني الصحة، وبعض الممرضين في الحين بعد الحين، فتروّع القرية ترويعاً. . . وما أن يعلن أن في البلد (الحكيم الصغير) (تمييزاً له من (الحكيم الكبير) الذي يطلبهم الآن والذي يرافق النيابة دائماً ولا يحضر منفرداً) ما أن يعلن هذا حتى ترتج وترتجف. فتخرج الأمهات إلى الشوارع مولولات مذعورات يلتقطن أطفالهن من كل مكان في ذعر وعجلة، ثم يغلقن على أنفسهن الأبواب، ويصعدن إلى السطح استعداداً للقفز عليها من بيت إلى بيت، فكثيراً ما يدق هؤلاء الشياطين الأبواب، ويكسرونها بمساعدة الخفراء، ويهجمون على من فيها (للتجريح)!

فأما من تستطيع القفز إلى البيوت المجاورة، فلن تقصر في سلوك طريق النجاة، وأما من لا تستطيع، فإنها تختبئ في صومعة الغلال، أو في خم الدجاج، حيث لا يخطر على قلب (الحكيم) أنها هناك!

هذا هو الحكيم الذي يعرفونه. . . فما بالهم بالحكيم الكبير الذي لا يحضر إلا مع النيابة، والذي لا يقع أحد في يده، ثم ينجوا إلا بمعجزة من معجزات القدر، أو ببركة (تميمة) لولى من كبار الأولياء؟!

وارتجفت مفاصلهم جميعاً وهم يسمعون الخبر الفاجع، اصفرت وجّوههم، وعلا صوت بعضهم بالنحيب والعويل!

ووصلوا إلى الدوار، ولا يعلم إلا الله كيف وصلوا. ووقفوا صفاً طويلاً. أوله في داخل الدوار - أي في منطقة الخطر - وآخره في الشارع أمامه. . . وعن اليمين وعن الشمال وقف الخفراء ببنادقهم (ولبدهم) الطويلة (جمع لبدة)؛ ووقف أحد المدرسين في أول الصف وأحدهم في آخره. أما الناظر فقد سبقهم إلى الحكيم ليطمئنهم قليلاً، ويظهر أمامهم بمظهر الشجاعة المطلوب!

وكان ترتيب الصف حسب الطول، فتقدم كبار التلاميذ وتبعهم الصغار أو القصار. وفي هذه اللحظة اصبح القصر نعمة من نعم الله!

<<  <  ج:
ص:  >  >>