أنا لا أحب أن أنزل إلى ميدان المناظرة بين الأستاذين الفحلين شاكر والعريان، والأستاذ قطب؛ لأنه لا يقوم لأحدهما بله أن يعينهما عليه معين، على أن الحق لعمري يعينهما. ومع الحق بيان يجلو الحق، ولغة فخمة كأن فيها روحاً من روح الرافعي رحمه الله، ولهذا البيان قراء يبلغون مائة الألف انعقدت قلوبهم على محبة الرافعي وإجلاله، وآمن منهم من آمن بأن الرافعي رجل لم يكتب بالعربية من هو أبلغ منه بلاغة. . . فما حاجة ضعيف مثلي أن ينزل إلى الميدان؟
وفيما الخلاف؟ في (إنسانية) الرافعي!. . .
الأستاذ قطب يشك في (إنسانية الرافعي). . . أي أنه يشك في أنه إنسان، فماذا يكون إذن؟
ثم ماذا؟ ثم أنه (على رأي سيد قطب) تنقصه العقيدة! والعقيدة مشتقة من العقد، قال في اللسان: عقد قلبه على شيء لزمه. . . واعتقد كذا بقلبه أي رآه، فلابد إذن لتمام كلمة الأستاذ قطب من أن يبين الشيء الذي ينقص الرافعي رضي الله عنه اعتقاده، وألا فكلامه لا معنى له في العربية. . فهل ينقص الرافعي العقيدة في الدين، أو في الوطنية، أو ينقصه اعتقاد مذهبه في الأدب. أو ماذا؟
أو هي ألفاظ تساق ولا يدري لمساقها غاية إلا التهويل بها على القراء؟
هذه مسألة لا يصح أن يكون عليها خلاف، أو تدور عليها رحى مناظرة. . .
أما جوهر الخلاف بين أدب الرافعي وشعر العقاد، فهو الخلاف بين الأسلوب الذي يعتمد على البيان والصحة والصناعة والجمال، وبين الأسلوب الذي يستند إلى المعنى المبتكر، والصورة الجديدة، لم يظهرهما لفظ قوي، ولا أداء مستقيم. فالعقاد في شعره مبتكر مجدد، ولكني أشبه ألفاظه وهي تحمل معانيه، بصبيان ضعاف مهازيل، يحملون الصخور العظيمة فتسحقهم ويموتون تحت أثقالها. . . كما أني أجد من الأساليب ما أشبه ألفاظه ومعانيه بعمالقة ضخام، ولكنهم يحملون حفنة من الحصى
فالخلاف إذن على اللفظ والمعنى، هذه المشكلة التي تكلم فيها الجاحظ، ولم ينته القول فيها بعد. على أن في إطلاق اللفظ والمعنى تجوزاً، لأنه يستحيل أن يكون في الوجود لفظ بلا