جلس الضابط متكئاً على أريكة في منزله، وقد وضع رجلا على رجل متصنعاً هيئة الجد والوقار التي يظهر بها في نقطة البوليس التي يشرف عليها، وجلست زوجته بجانبه مطأطئة رأسها تدعو الله في سرها أن تكون العواقب سليمة. ووقف ابنه أمامه عاري الرأس واضعاً يديه خلف ظهره وقد التمعت عيناه وبدت على وجهه أمارات هي مزيج من الخوف والتحدي. وقال الوالد بعد فترة من الصمت الذي أراد به أن يلقي الرعب في قلب ابنه كما تعود أن يلقيه في قلوب المجرمين:
- لم عدت من القاهرة؟
- أظنك علمت أن المدرسة أضربت وأغلقت لمدة شهر.
- أظنك؟!
- ألم تعلم يا بابا؟
- أهكذا يخاطب الولد أباه؟
- ماذا أقول إذن؟
- أتجيبني على سؤال بسؤال! لقد ساءت أخلاقك كثيراً في القاهرة!
- يظهر أنك متعب اليوم!
- أتسخر مني يا كلب!
وانتفض الوالد وقد احتقن وجهه وبرزت عيناه ورفع يده ليهوي بها على وجه ابنه؛ غير أن الولد قال له: لا تضرب.
وأُخِذ الرجل وارتمى على مقعده قائلا في حشرجة تشبه حشرجة المحتضرين.