ولنترك مسائل المدح والإطراء والرثاء جانباً، ولنعد إلى أصل القضية ونتساءل ما إذا كانت أسباب انهيار فرنسا، هذا الانهيار السريع الذي يكاد يكون فجائياً؟. . .
فمن أبسط وأسهل الأجوبة التي تخطر على البال رداً على هذا السؤال هي أن فرنسا لم تكن مستعدة للحرب.
وفي الواقع أن هذا التعليل قد سيطر على الأذهان والأقلام، سيطرة غريبة. فإن معظم الذين كتبوا وعالجوا هذا الموضوع عللوا الانهيار بعدم الاستعداد والبعض منهم جعلوا من (عدم الاستعداد) هذا دليلاً على حسن الطوية ونبل الغاية.
فقد قرأت بين ما قرأته من المقالات حول هذا الانهيار في المجلات المصرية، هذا الحكم البتار:
(ما غلبوا إلا لأن الديمقراطية التي يعتقدونها لا تفكر إلا بالسلم ولا تتسلح إلا بالعهود والمواثيق والقوانين والشرف، وأن الديكتاتورية التي يعادونها لا تفكر ولا تتسلح إلا بالحديد والنار والدعاية والخيانة والكذب)
أنا لا أستطيع أن أسلم بصحة هذا الرأي، بالرغم من احترامي الشخصي لصاحبه؛ فلنستعرض الأعمال العسكرية والسياسية التي قامت بها فرنسا منذ انتصارها في الحرب العالمية المنصرمة: إنها استولت على مراكش من جهة، وعلى الشام من جهة أخرى، وجردت الحملات العسكرية على مختلف النواحي في أوربة وآسية، وأفريقية: حاربت الأتراك، حاربت العرب، حاربت الروس بعد الهدنة، اشتركت في احتلال قسم من البلاد الألمانية، وأقدمت بمفردها على الاستيلاء على قسم آخر منها؛ ساعدت دولة بولندة وتشيكوسلوفاكيا في تسليحاتها وتنظيماتها العسكرية، وقتلت أحابيل الحلف الكبير والحلف الصغير، وأخذت تدير دفة السياسة الأوربية بصوت مسموع ومكانة مرموقة. وأنفقت مبالغ طائلة في سبيل تشييد (خط ماجيينو) على طول الحدود الألمانية، ورصعت البلاد السورية والمراكشية بعدد كبير من المواقع العسكرية. . . فكيف يجوز والحالة هذه أن نقول إن فرنسا لم تفكر إلا في السلم، ولم تتسلح إلا بالعهود والمواثيق؟