كتب الكاتبون قديماً وحديثاً في إعجاز القرآن، ولكن ليس كمثل الأمثلة العملية الواقعية بيان لذلك الإعجاز. ومن أحدث هذه الأمثلة وأغربها ما وقع من الدكتور زكي مبارك أو (الكاتب المجهول كما يسمي نفسه في العدد ٣٥١ من الرسالة
والدكتور زكي مبارك كبير الإعجاب بنفسه يظن أنه أحاط بالأدب العربي من أطرافه: أطراف النثر وأطراف الشعر، فلم يدع لكاتب ولا لشاعر شأواً معه. تعرف ذلك في دعاواه الطويلة العريضة التي ينثرها يميناً وشمالاً بغير حساب فيما يكتب من مقال، وما يؤلف من كتاب، كأنما أراد أن يكون المقل المنجسم لقانون التعويض النفسي في الأدب، فهو يعوض نفسه عما فاته من ثناء الناس بالمبالغة في الثناء على نفسه، وهذا شيء لم يكن يفهم لولا أن إعجاب الدكتور بنفسه انقلب فيه غروراً، وأن الغرور بلغ منه حداً جعله يتطاول إلى مقام القرآن الكريم، يشكك في إعجازه تارة، ويكاد يصرح أنه من كلام البشر تارة أخرى، ويدعو إن بتلميح وإن بتصريح إلى تناول القرآن بالنقد، كأنما يظن أن ذلك في مقدوره لولا أن المسلمين لم يستعدوا بعد لتلقي كل ما عند الدكتور
وسولت له نفسه أن يكتب مقاله (أعوذ برب الفلق من شر ما خلق)، ولأمر ما رأى أن يوقعه بغير اسمه
ولكنه نسى نفسه حين أمن أن يعرف قومي بها عوراء مخزية حين كتب:(أما بعد، فأنا لا أعوذ برب الفلق من شر ما خلق، وإنما أعوذ برب الفلق من خير ما خلق، وهو الجمال). لعلك لو فتشت عن قلبه حين كتب هذا لوجدته مسروراً به، يرى أنه جاء بطريف وهذا خذلان الله لكل من يلحد في آياته: يخفى عنه الغلطة المنكرة لا تخفى على العامة من الناس.
والغلطة المنكرة هي جهله أن كلمة (شر) في الآية الكريمة اسم لا أفعل تفضيل، وأن الفرق بين معنى الآية كما فهمها وبين معناها كما أنزلت كالفرق بين الجماد والحي، والإعجاز وغير الإعجاز
وإذا أدرك زكي مبارك غلطته فحاول أن ينكر أن (شر) في جملته أفعل تفضيل كذبته كلمة