سؤال من الأسئلة الكثيرة التي توجهها الصحف الغربية والعربية إلى المشهورين، وهو: أيهما أحب إليك: المال أو الشهرة؟
وقد وجه هذا السؤال في أمريكا إلى رجال ونساء عندهم المال وعندهم الشهرة، ولو وجه السؤال إلى أناس لا يملكون هذا ولا تلك، ولكنهم يسعون إليهما ويطمعون فيهما، لظفر السائلون بناحية أُخرى من نواحي الجواب، لعلها أصدق وأقرب إلى معرفة النفس من جواب المشهورين الأغنياء
فلإنسان لا يحسن تقدير الشيء الذي هو في يديه، لأنه ينزل به عن قدره، ولا يحسن تقدير الشيء الذي يصبو إليه، لأن يرفعه فوق قدره، ولكنه - على الأقل - بصوره لنفسه وللناس في صورة هي أجمل وأقرب إلى مرضاة الخيال
كذلك يختلف تقديرنا لما نملكه ونطمئن إلى بقائه وتقديرنا لما نملكه ولا نزال مهددين فيه
وإنما القصد بين جميع هذه التقديرات أن نملك الشيء ونحس الحاجة إليه، ولكن في غير فزع ولا اضطراب، فمن ثم لا نزهد فيه ولا ننزل به عن قدره ولا نغلو في تعظيمه غلو من يتطلع إلى الأمنية وهو يحسبها منه بمنزلة السماء من الغبراء
رجعت إلى نفسي في هذا السؤال فلم أفكر في جوابه، بل وثب بي الفكر إلى موضوعه، ورجع في طفرة واحدة إلى أيامي المدرسية في أوائل القرن العشرين. . . أيام كانت (أيهما) هي فاتحة كل موضوع من موضوعات الإنشاء العربي يطلب من التلاميذ أن يكتبوا فيه:
أيهما أفضل: العلم أم الغنى؟ أيهما أحب إليك: الحرب أم السلم؟ أيهما أجمل: الصيف أم الشتاء؟ أيهما أنفع للإنسان: الشجاعة أم الحكمة؟
إلى آخر هذه المفاضلات التي استأثرت زمناً بأقلام الناشئين الصغار، وكتب على جيلهم بعد ذلك بعشرين سنة أن يكون هو الجيل الذي يغرق إلى أذنيه في النقاش والحوار: تارة نقاش الأحزاب، وتارة نقاش الآراء والأفكار
وعرضت مراحل الإنشاء المدرسي من تلك المرحلة إلى الآن، وهي مراحل التي حضرتها