[منطق الغنى]
لقيت أول أمس على مقهى (أتينيوس) بالإسكندرية رجلاً من نابهي
النواب أعرفه معرفة لا تقرّب ولا تبعّد. هذا الرجل ينزع بطبعه منزع
الأرستقراطيين في نمط العيش وأسلوب التفكير ورونق المنظهر؛ فهو
يتجمل بالزينة، ويتنبَّل في الكلام، ولا ينفك يعلك ألفاظ المثرين
المترفين كالبنك والبرصة والسيارة والخيل والسباق والسهرات
والحفلات والملاهي حتى لتظنه المرجع الحجة في أولئك جميعاً.
ونباهة هذا النائب لم تأته عن طريق الفطنة أو الخبرة أو الكياسة،
وإنما أتته عن طريق التهويش والتهريج والسياسة؛ فهو في مجلس
النواب جزء من كرسيّه لا يتحرك ولا ينبس؛ ولكنه في الأمور الحزبية
والانتخابية ولاّج خرّاج يجذب الزعماء بالمآدب الصاخبة، ويخلب
الناخبين بالوعود الكاذبة، ويدرج بالدعوى والدعاية من قهوة إلى قهوة
قال لي بعد أن تبجح طويلا بقوة أثره في توجيه المجلس، وتسفيه المعارضة، وتنظيم النادي، وتقويم الحكومة:
- مالك وللأغنياء توغر عليهم صدور الصناع والزراع والخدم؟
- عجيب! وهل تقرأ الرسالة؟
- إنما يقرأها ابني وابنتي؛ وهما متأثران بها ومشايعان لها، ولا يزالان يجادلانني فيما تكتب وتطلب حتى أترك لهما الدار! فهل تريد أن يكون الناس كلهم سواء في الثروة، وليسوا كما تعلم سواء في الذكاء والقوة؟
- يا سيدي ما اعتقدنا ذلك ولا كتبناه. فإنا نؤمن بالغنى والفقر كما نؤمن بالقضاء والقدر. والتفاوت في الطبع والكفاية والحيلة والوسيلة مبدأ مقرر في الطبيعة، ونظام مسلّم في الدين؛ ولكنا نحاول أن نُذَكر الأغنياء، أن الّله الذي خلقهم وخلق الفقراء، قد جعل جُمعةَ ما بينهم وبينهم قائمة على أساس من المودة والرحمة يكفل المخالصة ويضمن السلامة. فإذا