للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعهدوا هذه الصلة الإلهية بالبر، فمنح القادر العاجز روحاً من قواه، ونفح الواجد الفاقد قليلاً من جدواه، سارت القافلة الإنسانية في طريقها إلى الكمال الممكن غير ظلعاء ولا وانية. وإذا أردنا المساواة فإنما نريدها في الحق والواجب، وإذا ذكرنا المشاركة فإنما نذكرها في حدود الإحسان والزكاة

- الإحسان يغري بالكسل ويعين على بقاء الفاسد. والفقير في أكثر أمره عليل الجسم أو العقل؛ فلم لا يكون من الخير أن يترك للحرمان حتى يذبل ويسقط؟

- إذا استطعت أن تنفذ هذا الرأي في أسرتك الخاصة، استطعنا أن ننفذه في أسرتنا العامة. فهل في مقدورك أن تترك ابنك المعلول الذي لا يبرأ، وأخاك المخبول الذي لا يعي، حتى تعصف بهما المنون كما تعصف ريح الخريف بالورق الجفيف؟

- ما أظن القلب يطيع العقل في ذلك

- ومن قال لك أن العقل يخولك حق الله على خلقه؟ إن للفقير حق الحياة، وليس لك عليه حق الموت. والله الذي خلق الكون خلق الفساد وجعل لكل منهما قوانين يجري عليها في الطبيعة. وستنالك أنت على الرغم من قوتك وغناك عوامل الذُّوىِّ والبلى، فهل تقبل من ذوي رحمك ووارثي مالك أن يدعوك فريسة الهرم والمرض، كما يدع القطيع الحمار المحموم في الفقر الجديب؟

رأى صاحبي أن هناك مدارك من فهم الحياة استعجمت على ذهنه الشارد، فغمغم بعض الجواب وبيّن بعضه الآخر حين قال:

-. . . ولكنني أعلم أن الزكاة في أوربا ليست مشروعة ولا مجموعة، ومع ذلك تجد الفقر محمولاً والحياة آمنة. فكل إنسان يعمل، وكل حي يعيش

- لا يغرنك يا سيدي ما تعلم من ظواهر الحياة الأوربية، فإن مدنيتها طلاء على صدوع، وكبرياء على خضوع. ولولا قيام الأديرة بجمع الصدقة وتنظيم الإحسان، ونهوض الحكومات لحماية العجز وتوفير العمل، لرأيت البؤس كرمز الموت هيكلاً بادي العظام لا تستره أثواب ولا تحجبه أبواب

- وما قولك في أمريكا؟ أليست المسافة فيها بين الفقراء والأغنياء، كالمسافة بين الأرض والسماء؟ ومع ذلك لا تجد بين هؤلاء وهؤلاء حسداً ولا ضغينة

<<  <  ج:
ص:  >  >>