للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شعراؤنا المؤرخون]

كيف نرتب دواوينهم ونقرؤها

للأستاذ محمود عزت عرفة

قد يستسيغ قارئ الأدب منا أن يطالع شعر ابن أبي ربيعه مثلاً في غير ما ترتيب ولا تبويب - كم هو الشأن في ديوانه المطبوع - فلا يفرق بين أوائل شعره وأواخره؛ ولا يتدرج في المطالعة من شعر صباه وشبابه، إلى شعر رجولته واكتهاله، ثم إلى شعره وهو يدب هوناً إلى الثمانين. . .

قد نستسيغ ذلك لأن ابن أبي ربيعه وأمثاله من الشعراء العاطفيين لا يصدرون في أقوالهم إلا عن بواعث نفسية وموحيات خاصة، لا ترتبط عند القارئ، ولا عند الشاعر في أكثر الأحايين، بزمان محدود أو مكان معلوم.

ولكن الشأن يختلف في ذلك كثيراً مع شعرائنا الاجتماعيين من أمثال المتنبي والنواسي والبحتري وأبى تمام والشريف ومهيار والسري وصردر؛ أولئك الذين سجلوا في شعرهم صوراً كاملة من أحداث عصورهم، وجروا في حلبة التاريخ أشواطاً تختلف طولاً وقصراً باختلاف سني أعمارهم. فارتبط شعرهم بحوادث تاريخية مشهورة، محدود زمانها ومكانها؛ وتجلت من أجل ذلك أهمية الترتيب والتبويب في مطالعة إنتاجهم، ترتيباً وتبويباً ليس منهما في شيء مراعاة أبجدية القوافي، ولا الاكتفاء بملاحظة أغراض الشعر المختلفة، كما هو الشأن في معظم الدواوين المطبوعة اليوم، وفي أصولها المخطوطة من قديم.

ولنضرب هنا المثل بشاعر كالبحتري؛ فهو قد ولد في أوائل عهد المأمون، وتوفي - عام ٢٨٤ هـ - في خلافة المعتضد. وبذا يكون قد عاصر عشرة من خلفاء بني العباس اتصل بستة منهم اتصالاً وثيقاً، هم على ترتيب عهودهم: المتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدي والمعتمد؛ وله في كل منهم مدائح أو أهاج تكشف عن مدى اتصاله بالحياة السياسية على عهده وانغماسه في تيار الحوادث الجارف خلال هذه الحقبة الطويلة الهامة من حكم العباسيين. وإذا نحن نظرنا إلى هؤلاء الأعلام الستة كنجوم لوامع نيرات في أفق ديوانه تحدد لنا أهم اتجاهاته، كان لنا أن نتخذ من سائر الأعلام المنبثة فيه نجوماً أو كواكب أقل التماعاً نملأ بها الفجوات الفسيحة فيما بين ذلك؛ فنخرج من شعر البحتري

<<  <  ج:
ص:  >  >>