قال محمد بن علي العبدي للخليفة القاهر وقد سأله يوما أن يحدثه عن السيدة زبيدة: كان من فعل زبيدة وحسن سيرتها في الجد والهزل ما بارزت فيه على غيرها.
فأما الجد والآثار الجميلة التي لها في المملكة فهي حفرها العين المنسوبة أليها في الحجاز. وتمهدها الطريق لمائها في كل خفض ورفع وسهل ووعر من مسافة أثنى عشر ميل، حتى بلغت بها مكة. وأنفقت عليها ألف ألف وسبعمائة دينار ولها كثير من أمثال هذا العمل العمراني.
هذا في الجد. وأما في الأمور التي تتباها بها الملوك في أعمالهم، وينعمون بها في أيامهم، وتزين بها سيرهم وأخبارهم. فهو أنها:
أول من أتخذ الآلة (أي أدوات البيت وأمتعته) من الذهب والفضة المكلة بالجوهر. وصنع لها الصناع الرفيع من الوشى حتى كلف الثوب نحو خمسين ألف دينار.
وهي أول من أخذ (الشاكلية) من الخدم والجواري يركبون الدواب ويغدون ويرحون برسائلها وحوائجها
وأول من أتخذ القباب على الهوادج من فضة وآبنوس وهندل، لها كلايب من الذهب والفضة، وهي ملبسة بالوشى والسمور والديباج وأنواع الحرير من الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق. واتخذت النعال المرصع بالجوهر. واصطنعت الشمع من العنبر. وقلدها أغنياء الناس في ذلك جميعا.
ولما أفضت الخلافة إلى أبنها (الأمين) قدم الخدم وآثارهم ورفع منازلهم ككوثر وغيره من خدمه، فلما رأت أمه شغفه بهؤلاء الغلمان المماليك اتخذت الجواري الحسنان المقودات وعممت رؤسهن، وجعلت لهن الطرز والأصداغ والاقفيا (لعلة يعنى الشعور تجمع على القفى بشكل خاص مؤنق) وألبستهن الأقبية والقراطق والمناطق (وهي من ألبسة شباب الجند وغلمان العسكر) وأرسلتهن وهن بهذا الزي إلى أبنها (الأمين) فراقت شكلهن. وأبرزهن في مجلسه أمام الخاصة والعامة وشاع أمر هذا الزي في الناس فجعلوا يتخذون الجواري المطمومات (أي المقصوصات الشعور من طم الشعر إذا جزة أو عقصة)