في أمسية من أمسيات هذا الشتاء المنقلب المضطرب القاسي وكان يوما غائما لم تظهر له شمس، دخلت إلى خزانة كتبي وأنا قلق النفس ابحث عن شيء ولكني لا أدري ما هو، وأشعر في داخل نفسي بشيء من ذلك الشعور الحزين الغامض الرقيق لم أدر له سببا ولم أدرك له تعليلا، اللهم إلا أن يكون مشاركة الطبيعية فيما هي به من الظلام والكآبة والقلق، أو هو انسحاب ما في السماء من غيوم إلى ما في النفس من إحساس.
وقفت أمام الخزانة لاختار كتابا، من غير قصد، أي كتاب، أسري بالمطالعة فيه عن نفسي واصرف عنها هذه الكآبة الغامضة الرقيقة.
هذا تفسير الكشاف، نعم، ولكنه يحتاج إلى تدبر وإمعان وتهئ، وليس نشاطي الآن مما يساعد على التدبر والإمعان.
هذا ديوان البحتري، نعم، ولكنه شعر، وما أنا بسبيل البحتري وما فيه من صياغة وتحتاج إلى نفس ناصعة كشعره لا إلى نفس غائمة تغشاها هذه السحابة من الحزن.
هذا هو الكتاب المقدس بعهديه، القديم والجديد، نعم. لأقرأ فيه شيئا. ولا بد أن ينسكب شيء مم فيه من الأيمان والاطمئنان على ما في نفسي من الجزع والقلق.
وأخذ الرب الإله آدم، ووضعه في جنة عدن ليعمل ويحفظها وأوصى الرب الإله آدم قائلا: من جميع شجر الجنة تأكل أكلا، وأما شجرة (معرفة الخير والشر) فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتا تموت.
وقالت الحية الخبيثة للمرأة (أحقا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة؟ فقالت المرأة للحية، من ثمر الجنة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا، فقالت الحية للمرأة: لن تموتا، بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه (تنفتح أعينكما) وتكونان كالله عارفين الخير والشر).
قد تكون الخطيئة إذن هي الطريق للمعرفة؛ والثمرة المحرمة قد تخرج الإنسان من الجنة إلى محنة الحياة ولكنها تخرجه أيضاً إلى عالم المعرفة والإدراك والتجربة والنور، أو كما