للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[خاتمة المأساة الأندلسية:]

الصراع الأخير

بين الموريسكيين وأسبانيا

للأستاذ محمد عبد الله عنان

- ١ -

حدث أثناء المفاوضات التي جرت في مونترو بين مصر والدول لإلغاء الامتيازات الأجنبية أن تقدم الوفد الإسباني بطلب يختص باليهود (السفرديم) المقيمين بمصر، هو أن يعاملوا كالرعايا الإسبانيين وأن يمنحوا مزية التقاضي أمام المحاكم المختلطة أثناء فترة الانتقال، وشرح أحد أعضاء الوفد بواعث هذا الطلب لممثلي الصحف، فقال: إن هؤلاء اليهود (السفرديم) هم من ذرية اليهود الإسبانيين الذين طاردتهم مجالس التحقيق (محاكم التفتيش) في القرن السادس عشر وشردتهم عن وطنهم في مختلف البلاد، وأن إسبانيا الجمهورية التي تحررت من نزعات التحامل والتعصب تريد أن تقدم ترضية لسلالة هذه الطائفة التي نكبت في عصور الظلم والتعصب والطغيان.

وهذه الملاحظة تثير الشجن، ذلك أن إسبانيا النصرانية تعترف بعد أربعة قرون بزلتها التاريخية الكبرى، وتلعن مع التاريخ ذكرى ديوان التحقيق. بيد أن هذا الاعتراف ليس إلا لمحة بسيطة من الحقيقة المروعة؛ ذلك أن إسبانيا النصرانية ما كادت تظفر بتحقيق سياستها الوطنية القديمة في سحق إسبانيا المسلمة والاستيلاء على تراثها كله والظفر بغرناطة آخر معاقلها، حتى وضعت برنامجها الشائن لمحو تراث الأندلس، وسحق الإسلام وكل ذكرياته وآثاره، وإبادة هذه البقية الباقية من سلالة المسلمين والعرب الذين لبثوا سادة في الجزيرة زهاء ثمانية قرون؛ وكان اليهود الذين عاشوا وازدهروا في ظل الدولة الإسلامية، كالمسلمين ضحايا هذه السياسة البربرية؛ وكانت محاكم التحقيق تنشط لمطاردة الضحايا، وكانت محارقها تسطع في مختلف القواعد الأندلسية القديمة حتى قبل سقوط غرناطة؛ وكان سقوط غرناطة في فاتحة سنة ١٤٩٢م نذير المأساة المروعة التي لم تستطع إسبانيا النصرانية في حمى الظفر وغلوائه أن تقدر عواقبها المخربة؛ وكان المسلمون

<<  <  ج:
ص:  >  >>