كتاب جديد للأستاذ توفيق الحكيم، وهو كتاب ضخم يضم بين دفتيه إحدى وعشرين قصة تمثيلية عصرية. والمؤلف يتجه في هذه القصص إلى تصوير نواح وأنماط مختلفة من المجتمع المصري، ويعني عناية خاصة بما جد في هذا المجتمع في السنوات الأخيرة من تيارات واتجاهات وشخصيات كانت نتيجة للهزات الاجتماعية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
ولذلك جاء الكتاب متحفا لحياتنا الحاضرة، جمع كثيرا من الأشكال والألوان، فبدت في مرآة المؤلف الفنان، فنا حيا يمتع ويستهوي ومن أبرز ما يحتويه هذا (المتحف) صور الأداة الحكومية وما يجري في مكاتب الوزراء وكبار الموظفين من النفاق ووسائل الوصولية، كما في قصة (بين يوم وليلة) التي تعطينا نموذجا لمدير مكتب الوزير، نراه متكرراً ملموسا في واقعنا، من أولئك الذين بزوا الحرباء في التلون؛ ومن محتويات (المتحف) صور للحياة النسوية في عراكها وتطلعها إلى أوضاع جديدة، وقد أعجبتني قصة (أريد هذا الرجل) التي جعل فيها الفتاة تذهب إلى الشاب لتخطبه. وهي صورة في غاية الطرافة والظرف، وأبدع ما فيها منطق الفتاة وهي تبرر مسلكها، إذ تقول لصاحبتها إنها لا ترى غضاضة في أن تسمع ممن تخطبه كلمة (لا) ما دامت هي صاحبة الإرادة الأولى.
(. . . ولكن الغضاضة عندي هي أن أشعر بأني حبيسة ذلك الوهم الذي نسجته الأجيال عن ضعفنا وحياتنا وعجزنا عن مجابهة الحقائق وتحمل النتائج، وأني سجينة ذلك البهتان والكذب والسخف الذي ألبسنا إياه خيال الرجال فجعل منا مخلوقات أشبه بعرائس المولد، أجسامها من حلوى وأثوابها من ورق مفضض مذهب، لا تتحرك إلا بيد الرجل، ولا تتحمل أكثر من لمس أصابعه. لا يا درية. . آن الأوان أن تكون لنا إرادة نصدم بها إرادة الرجل. . وأن نجرؤ على أن نتقدم إليه ونعرض عليه، ونرغمه على أن يجيبنا بكلمة (نعم) أو (لا) كأنه عذراء، وأن نمتع عيوننا بمنظره وقد علت وجهه حمرة الحياء!) وهو منطق سليم جدا، لا يملك العقل إلا أن يسلم به كما سلم الشاب (المخطوب) وأجاب بنعم. .