أكتشف بستور لقاحاً يحصن الشياه من داء الجمرة، وذلك بإضعاف مكروبها ثم حقنه في الشياه، فتقوى بعد ذلك على مقاومة الداء. ونجح اللقاح واهتزت الدنيا له. وبعد زمن أخذت ألقحة بستور تقتل بعض الشياه بدل تحصينها وكثرت الشكوى. فألقى بستور محاضرة في اللقاح ولم يذكر تلك الشكاوي، وتحدى كوخ وكان حاضراً إلى الحجاج فقام وقال إنه يجيبه بالقلم لا باللسان.
ولم يمض زمن طويل على هذا حتى جاء كوخ بجوابه الموعود، فكان جواباً بين الجد والهزل، شديداً فظيعاً؛ بدأ كوخ بقوله إنه أتى من بعض وكلاء بستور بشيء من هذه المادة الثمينة الغالية التي يقال لها لقاح الجمرة، ثم استطرد يسلقه بلسان سليط:
أحقاً قال بستور إن اللقاح الأول يقتل الفئران ويعفي الخنازير الغينية! إذن لقد قام كوخ بتجربته فوجده لا يقتل حتى الفئران. وبعض عينات غريبة منه قتلت الشياه!
وهل حقاً قال بستور أن لقاحه الثاني يقتل الخنازير الغينية ويعفي الأرانب؟ إذن لقد قام كوخ بتجربة هذا اللقاح أيضاً في دقة وعناية فوجده يقتل الأرانب، ويقتلها في الأغلب قتلاً سريعاً. ووجد أنه يقتل الشياه أحياناً، تلك الشياه التي أراد بستور من هذا كله أن يحصنها من الموت.
ثم أحقاً يعتقد بستور إن هذه اللقاحات لقاحات من مكروب الجمرة، ومن مكروب الجمرة وحده؟ إذن فقد قام كوخ على حذر بامتحانها، فوجدها تعج بمختلف الأحياء، فمن كل كُرَيّة ومن كل عصية دخلت إليها دخول الضيف الثقيل لا أهلاً به ولا سهلاً
وأخيرا، أحقاً إن بستور يتحرق تحرقاً إلى كشف الحقيقة خالصة؟ إذن فلم لم يخبر الناس بجميع النتائج التي جاءت من لقاحه بعد أن شاع استخدامه وذاع؟ لِمَ لَمْ يخبرهم بالحالات الفاشلة الخائبة كما أخبرهم بالحالات الناجحة الصائبة؟