(تعليق على ما كتبه الصديق النبيل الأستاذ كامل الكيلاني في
العدد ٦٧١ من الرسالة عن (نيوتن والوزير العباسي) مع
تحياتي وأشواقي إليه. . .)
(علي)
إذا رأيتم رجلا يمشي في الطريق منفوش الشعر، شارد النظر، قد لبس معطفه على القفا، ومشى على غير هدى. . . قلتم إنه (مجنون). . . وقد يكون (مجنوناً)، ولكنه قد يكون فيلسوفاً. . . أو شاعراً. . . أو رياضياً. . .!
وإذا سمعتم أن رجلا لا يفرق بين السراويل والقميص، ولا بين الجمعة والخميس، قلتم إنه (مجنون). . . ولكن (أناتول فرانس)، والعهدة على الراوي (جان جاك بروستون) دعي إلى وليمة يوم الأحد، فذهب يوم السبت ولبث ينتظر متعجباً من تأخر الغداء، ولبثتْ ربَّة الدار تنظر متعجبة من هذه الزيارة المفاجئة، ثم لم يرض أن يصدق أنه يوم السبت. . . فهل كان (أناتول) نابغة قومه في البلاغة وباقعة العصر مجنوناً؟!
وإذا شاهدتم رجلا يعتزل في كوخ، أو ينفرد في غار، لا يقبل على الدنيا، ولا يكلم الناس قلتم إنه (مجنون)، ولكن (الغزالي) عاف الدنيا وقد اجتمعت له، والمجد وقد أقبل عليه، والرياسة وقد أتته منقادة تسعى إليه، وحبس نفسه في أصل منارة الجامع الأموي في دمشق، فهل كان (الغزالي) حجة الإسلام وعلم الأعلام مجنوناً؟!
وإذا بلغكم أن إنساناً نسي اسمه قلتم إنه (مجنون)، ولكن (الجاحظ) نسي كنيته وطفق يسأل عنها حتى جاءه ابن حلال بالبشارة بلقياها، فقال له: أنت أبو عثمان؟ فهل كان (الجاحظ) عبقري الأدب، ولسان العرب مجنوناً؟.
ونيوتن. . . وقد كانت في داره قطة، كلما أغلق عليه بابه، وقعد إلى كتبه ومباحثه، أقبلت تُخَرمش الباب وتخشخش بأظفارها فتشغله عن عمله حتى يقوم فيفتح لها، فلما طال عليه الأمر كدَّ ذهنه، وأطال بحثه، فاهتدى إلى المَخْلَص. . . ففتح في أسفل الباب فتحة تمر