دعت كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول إلى سماع سلسلة المحاضرات العامة التي يلقيها بقاعة الجمعية الجغرافية الملكية الأستاذ ساطع الحصري الأستاذ الزائر بمعهد التربية العالي للمعلمين، والمستشار الثقافي لجامعة الدول العربية؛ وموضوع هذه السلسلة (الفكرة القومية منذ أوائل القرن التاسع عشر) وهي ست محاضرات، ألقى يوم السبت أولاها، وموضوعها (نشوء الفكرة القومية في أوربا والانقلابات السياسية التي نجمت عنها) وقد تحدث الأستاذ في هذه المحاضرة عن الانقلابات السياسية في خريطة أوربا منذ العقد الثاني من القرن التاسع عشر إلى العقد الثاني من القرن العشرين، فقال إن أهم هذه الانقلابات زوال الدولة العثمانية والإمبراطورية النمساوية وحلول الدول الصغيرة محلها، وحدث عكس ذلك في إيطاليا إذ اتحدت الدول الثمان وكونت إيطاليا الحديثة، كما اتحدت ٣٩ دولة على الأراضي الألمانية وكونت الدولة الألمانية، وانفصلت بلجيكا عن هولندا، كما انفصلت النرويج عن السويد، وتكون على سواحل البلطيق أربع دول جديدة، وهكذا تبدلت أوربا ما عدا إنجلترا وفرنسا وروسيا وأسبانيا. وكان العامل الأصلي في كل هذا التبدل فكرة القومية الناشئة من شعور الأمم بالروابط المختلفة، فتجمع المؤتلف، وتفرق المختلف؛ وكانت النتيجة أن قامت الدولة على الفكرة القومية التي شعر بها الشعب، بخلاف الدول القديمة التي كانت تتكون بحسب قوة الملوك ومقدار بسط سلطانهم وما ينشأ عن معاهداتهم ومصاهراتهم، ولم يكن للشعوب حساب في ذلك لأن الملوك كانوا يتصرفون تصرف المالك المستمد من التفويض الإلهي. ودلل الأستاذ على أن الدول الجديدة لم تقم نتيجة للحروب بل كان منشؤها الفكرة القومية - دلل على ذلك باستعراض الحوادث التاريخية ومقارنة نشأة الدول بقيام الحروب.
وخَتم الأستاذ ساطع الحصري محاضرته القيمة بالإشارة إلى ما يقوله المفكرون في أوربا من أن حركة القوميات انتهت بانتهاء القرن التاسع عشر، ولكن الذين يرددون هذا القول عندنا في الشرق يخطئون، لأن عصر القوميات إذا كان قد انتهى في الغرب لبلوغ حركات القومية مراميها فإنه يبدأ في الشرق لأن ظروفه تقتضي ذلك.